الجمعة، 25 أكتوبر 2013

ملامح المدارس النحوية

بأقلام محمد إزديان متقين ،أكونج ستياوان ،ونزيه مشهودي
 
­­المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        الحمد لله رب العالمين والصلاة والصلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. يسرنا أن نقدم إليكم بحثا بسيطا عن ملامح المدارس النحوية. إن النحو هو من أهم علوم اللغة العربية وقد بدأ المسلمون دراسته منذ عصر مبكر. قال البعض أن النحو وضعه خليفة علي ابن أبي طالب، وقال الكثيرون أن واضع علم النحو هو أبو الأسود الدؤلي.
        نشكر كل الحوانب التي تساعدنا في كتابة هذا البحث. خاصة أخانا أحمد فواتح الذي قد فتح لنا أبواب العلوم بالاطلاع على كتاب المدارس النحوية للدكتور شوقي ضيف. كما أننا أخذنا بعض المعلومات أيضا من مواقع الإنترنت.
        ونطلب العفو من جميع الأخطاء في هذا البحث فنحن طلاب متعلومون، نتعلم من الأخطاء وسوف نصيب بعد أن نخطئ، فكل ابن آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون. ومازلنا نطلب من حضراتكم الإصلاح والنصائح لكي نصلح الأعمال مستقبلا. وندعو الله تعالى أن يوفقنا دائما إلى ما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
       
البصرة واضعة النحو
أسباب وضع النحو
          يمكننا أن نردّ أسباب وضع النحو العربي إلى بواعث مختلفة. منها دينيّ و منها غير دينيّ, أما البواعث الدينية فترجع إلى الحرص الشديدعلى أداء نصوص الذكر الحكيم أداءاً فصيحا سليما إلى أبعد حدود السلامة والفصاحة .وخاصة بعد أن أخذ اللحن يشيع على الألسنة, و قد أخد منذ حياة الرسول صلى الله عليه وسلّم وازداد اللحن على ألسنة أبنائهم الذين ينشأون فى البادية مثلهم, إنما نشأوا فى الحاضرة واختلطوا بالأعاجم اختلاطاً و أدخل الضيم والوهن على ألسنتهم و فصاحتهم. وكان كثيرون من أبناء العرب ولدوا الأمهات أجنبيات أو أعجميات .فكانوا يتأثّرون بهنّ  فى نطقهنّ لبعض الحروف و فى تعبيرهنّ ببعض الأسالب الأعجميّة. وكلّ ذلك جعل الحاجة تمسّ فى وضوح إلى وضع رسوم يُعرف بها الصواب من الخطأ فى الكلام خشية دخول اللحن و شيوعه فى تلاوة آيات القرآن.
صنيع أبي الأسود الدؤلى و تلامذه
          لما كانت العلوم فى الأمم لا تظهر فجأة, بل تأخذ فى الظهور رويدا رويدا حتى تستوي على سوقها. واختلف الناس في أوّل من رسم النحو , وأكثر الناس على أنه أبو الأسود الدؤلي.
          كان أبو الأسود مشهور بالفصاحة, وقد أجمع المؤرخون واللغويّون على أن أبا الأسود الدؤلى من وضع علم النحو. وهو إنما أول من وضع نطق يحرّر حركات أواخر الكلمات فى القرآن الكريم, بأمر من زياد بن أبيه أو ابنيه عبدالله. ابتدأ أبو الأسود المصحف حتى أتى إلى آخره , بينما كان الكاتب يضع النطق يخالف لونه.
 
أوائل النحاة
هنا أربعة من علماء الإسلام الذين تعمقوا في مدارس النحو .
الأول : ابن أبي إسحاق
          كان أول النحاة فى البصريّين , هو عبدالله بن أبي إسحاق المتوفى سنة 117 للهجرة وفيه يقول ابن السلام : (( كان أول بعج النحو و مدّ القياس و شرح العلل )). و بذلك يجعله الواضع الأول لعلم النحو.
الثانى : عيسى بن عمر الثقفى
          بصرى من موالى آل خالد بن الوالد, نزل فى الثقيف فنصب إليها, وهو أهم تلاميذ بن أبى إسحاق, و أنّ عيسى بن عمر هو الذى مكّن للنحو وقواعده, الذى اعتمدها تلميذه و من تلاه البصريين سواء فى محاضراته أو املاءاته أو فى مصنفاته. وقد توفي سنة 149 للهجرة تاركا للخليل جهوده النحوية كي يتمّ صرح النحو و يكمل تشييده.
الثالث : أبو عمرو بن العلاء
ولد سنة 70 للهجرة بمكة و نشأ و عاش بالبصرة حتى توفي سنة 145 للهجرة, و قد تتلمذ لإبن أبي إسحاق على نحو ما تتلمذ عيسى بن عمر , غير أن عيشى قصر عنا يته على النحو أما أبو عمرو فعني بإقراء النلس القرآن فى المسجد الجامع بالبصرة.
الرابع : يونس بن حبيب
         من موالى بني ضبة, وقد لحق ابن أبي إسحاق وروى عنه, إذ ولد سنة 94 للهجرة و توفي سنة 182 ويظهر أنه اختلف إلى حلقات عيسى ابن عمر, و رحل إلى البادية و سمع العرب كثيرا, مما جعله راويا كبيراً من رواة اللغة والغريب, وذلك ما جعله يصنف لكتاب فى اللغات.
الخليل
نشاطه العقلى والعلمى
         هوالخليل بن أحمد الفراهيدى البصرى, ولد سنة مائة للهجرة. وتوفي سنة 175, و منشؤه ومرباه وحياته بالبصرة, وقد أخذ يختلف منذ نعومة أظفاره إلى حلقات المحدثين والفقهاء وعلماء اللغة والنحو, وقد اشتغل الخليل فى وضع منهج قويم لمعجم العين المشهور, وأكبّ اكبابا على حلقات أستاذه, كما أكبّ على علوم الشعوب المستعربة, و خاصة العلوم الرياضية, فقرأ كلّ ترجمة لإبن المقفع خاصة منطق أرسططاليس.
إقامته صرح النحو والتصريف.
         كان عقل الخليل عقلا فذًّاً, كلما مسّ شيئا نطّمه واستنبط قوانينه ودقائقه, وقد سلّط هذا العقل على قوانين العربية فى النحو والتصريف. ولكنه لم يترك فى النحو والتصريف كتاباً كثيراً مأثوراً يضم فروعهما و شعبهما الكثيرة, لكن تلميذه سيبويه سجّل فى كتابه كثيراً من بحوثه النحوية والصرفية.  وكان يمتاز بحسِّ لغويّ دقيق جعله يفقه أسرار العربية و دقائقها فى العبارات والألفاظ فقها تاما. وقد سبقت الخليل فى النحو والصرف خطوات مهمة, و خاصة عند أبي إسحق و عيسى بن عمر, ولكن من الحقّ أيضا أنه هو الذي رفع قواعدهما و أركانهما و مصطلحاتهما.
سيبويه
نشاطه العلمى
         اشتهر بلقبه سيبويه, وهو لقب أعجمى يدلّ على أصله الفارسى, واسمه عمرو بن عثمان بن قنبار , من موالى بنى الحارث بن كعب, ولد تقريبا من قرى سيراز تسمى البيضاء. وفيها يبدأ دروسه الأولى من الثقافة الدينية, فقدم بالبصرة وهو لايزال غلاما ناشئا, والتحق بحلقات الفقهاء والمحدثين, وصمّم على التزود أكبر زاد بشؤون اللغة والنحو, ولزم حلقات اللغويين والنحويين وفي مقدمتهم عيسى بن عمر و يونس بن حبيب, واختصّ بالخليل بن أحمد, وأخد منه كل ما عنده فى الدراسات النحوية والصرفية, ولما توفي الخليل وجد سيبويه كتب طبقات النحاة تنصّ على طائفة, وأكبّ حينئذ على تصنيف الكتاب .
الكتاب
         من المؤكد بدأ سيبويه تأليف الكتاب بعد وفاة الخليل, وقد حمله عنه تلميذه الأخفش الأوسط, وأذاعه فى الناس باسم (( الكتاب )) علماً اختصّ به هذا المصنّف وحده دون بقية المصنفات فى عصره. بحيث كان يقال فى البصرة (( قرأ فلان الكتاب )) فيُعلم أنه كتاب سبويه دون شك.
الأخفش الأوسط
حياته
         هو أبوالحسن سعيد بن مسعدة, فارسي الأصل مثل سيبويه, وقد لزمه وتلمذه له, و أخذ عنه كل ما عنده , وهوالذي روي عنه كتابه ,بل كان الطريق الوحيدة إليه , لا يعرف أحد سواه قرأه على سيبويه أو قرأه سيبويه عليه . وقد أخذ التلاميذ من البصرة والكوفة , ولما رأى اهتمام تلاميذه الكوفيين جميعا بالمسائل المتفرقة فى النحو والصرف صنع لهم كتاب المسائل الكبيرة , وله كتاب أخرى مثل كتاب الأوسط في النحو وكتاب المقاييس وكتاب الاستقاق وكتاب المسائل الصغير . وقد ترك النصرة إلى بغداد بأخرة من عمره .
 
المدرسة الكوفية النحوية
نشأة المدرسة الكوفية
          إن المدرسة النحوية الكوفية  من المدارس النحوية الشهيرة. ظهرت هذه المدرسة بعد ظهور علم النحو في البصرة. ورأى العلماء أن البصرة هي الموطن الأول الذي ظهر فيها علم النحو ويأتي إليها طلاب العلم من شتى بقاع الأرض ويتلقون العلوم من شيوخها. ثم انتقل هذا العلم إلى الكوفة بعد أن تعلم علماءها مثل أبي جعفر الرواسي والكسائي على أيدي شيوخ البصرة.
          إن نشأة المدرسة الكوفية ترتبط بعدة أسماء أهمها أبو جعفر الرؤاسي فهو الذي قال مترجموه[1] أنه أخذ النحو عن قيسى ابن عمر وأبي عمرو ابن علاء، وعاد إلى الكوفة وتلمذ عليه الكسائي. وألف كتابا لتلاميذه سماه ب"الفيصل". لذلك يرجع فضل بدء تأسيس المدرسة الكوفية النحوية إلى أبي جعفر الرواسي.
          إنما تبدأ المدرسة الكوفية بدءا حقيقيا بالكسائي وتلميذه الفراء. فهما اللذان وضعا شكلا خاصا للنحو الكوفي. وبنى بنيان المدرسة وأخذ الأسباب في إعطاء الصفات الخاصة التي تمكن المدرسة الكوفية من أن تستقل من النحو البصري. كان أعمالهما تشمل كل الأمور الهامة من وضع القواعد و الاستنباط من كلام العرب و دخل في دقائق الأمور من القياس والشذوذ.
          بمجهود هذان العالمان وغيرهما من العلماء كتب التاريخ ظهور مدرسة نحوية أخرى مستقلة سميت بالمدرسة النحوية الكوفية وسمي علماءها بالكوفيين رغم أن النحو الكوفي له تاريخ متصل بالنحو البصري. كما أن علماءها أخذ النحو عن علماء البصرة ولكن تطور الأمور ومرور الزمن لاحظ وجود اختلاف الآراء بين المدرستين البصرية والكوفية في عدة جهات مما جعل علماء النحو فرق بين المدرستين.
متى استعملت تسمية الكوفيين
          قد اتفق العلماء أن درس النحو بدأ ظهوره في البصرة وتعلم فيها بعض علماء الكوفة مثل الكسائي والرؤاسي وسمى علماء الكوفة بالكوفيين تمييزا بينهم وبين علماء البصرة. إلاّ أنّ الدكتور مهدي المخزومي يرى ((أنّ اسم الكوفيين لم يُعرف إلاّ في القرن الرابع ، وأنّ الكوفية اسم اخترعه البغداديون الذين أخذوا بمذهب البصريين ، وسمّوا أنفسهم بالبصريين تمييزا لأنفسهم عن مخالفيهم من البغداديين الذين أخذوا بمذهب البغداديين الأوائل))[2]
          نفهم من تلك العبارة أن كلمة الكوفيين هي كلمة ظهرت في القرن الرابع الهجري وأطلقها البغداديون الآخذون بمذهب البصريين على إخوانهم البغداديين الذين أخذوا بمذهب البغداديين القدماء. إذن إن هذه التسمية وفق ما قاله الدكتور مهدي المخزومي هي تسمية البغداديين على البغداديين الآخرين.
          وعلّل[3] ذكر المبرّد[4] (الكوفيين) في المقتضب[5] مرة واحدة ,بأنّ ((ورود اسم الكوفيين مرّة واحدة في كتابه لا يعني أنّه كان يعرف هذه التسمية ، فقد يُحمل على أنّه تصرف من النسّاخ أو من بعض التلاميذ الذين شاعت بينهم هذه التسمية))[6]، وقد أوردت الدكتورة خديجة الحديثي زَعْمَ الدكتور مهدي المخزومي ولم تعلّق عليه[7].
          وتكلم أحد الموقع الإليكتروني في صفحة منتداه رجل يدعي واثق زبيبة حيث يقول: ولا أدري كيف يفسّر ذكر سيبويه لهم ثلاث مرات في القراءات ورابعة في مسألة صرفية مسمّيا إيّاهم مرّتين[8] (أهل الكوفة) ومرتين (الكوفيين). وقال بعد ذلك: "وهذا يؤكّد أنّ هذا المصطلح استخدمه النحويون البصريون قبل المبرّد , وأنّ الكوفة عرفت النحو والصرف قبل الكسائي والفرّاء ، والآراء المبثوثة في مظانّ النحو واللغة لنحاة الكوفة قبل الكسائي تُظهر بوضوح أنّ الرؤاسي راسم ملامح المنهج الكوفي قبل الكسائي"
          ومن الجدير بالذكر أنه يرى البعض أن ذكر كلمة أهل الكوفة في كتاب سبويه في ثلاث مواضع يدل يعني الرؤاسي[9]، ولكن من المؤكد أنه لم يساهم كثيرا في وضع الأسس في علم النحو بشكل كبير بدليل أن اسمه لم يرد في كتب النحاة التالية لعصره[10].
النحو الكوفي يشكل مدرسة مستقلة
        اتفق المترجمون وأصحاب كتب الطبقات في وجود الخلاف بين البصريين والكوفيين في مذهبهم النحوي حيث عرضوا وجهتين من المذهب، الكوفي والبصري في مسائل عديدة. وانفرد أبو البركات عبد الرحمن ابن محمد الأنباري في كتابه بذكر مائة وواحدة وعشرين مسألة التي اختلف فيها الكوفيون والبصريون.
          مع وجود هذه الاختلافات فإن الاتفاق بين المذهبين أكثر من اختلافهما وذلك لأن الكسائي والفراء اللذان ساهما بأكثر سهم في وضع الأسس والقواعد في المدرسة النحوية الكوفية كانا أخذ النحو عن علماء البصرة. فالكسائي أخذ النحو من الأخفش الأوسط بينما سبويه أخذ الكثير من نحوه عن يونس والخليل. فالاختلاف بين المذهبين اعتبره البعض امتدادا من الاختلاف بين الأخفش ويونس.
          عندما نلاحظ آراء الأخفش الأوسط سنعرف أن الكسائي اتفق معه في الاتساع باشذوذ في الذكر الحكيم وذكر بعض الكتب أن وجه الاتفاق بين الأخفش والكسائي بلغ ثلاثين مسألة. استمر وجه الاتفاق بين الكسائي والأخفش بمجيئ الإمام الثاني للكوفيين فهو الفراء. فالمذهب النحوي الكوفي هو الامتداد من آراء الأخفش والكسائي والفراء. كما أن الختلاف موجود في البصرة بين الأخفش وسبويه وأستاذه يونس والخليل.
          رغم وجود الاختلاف بين الكوفيين والبصريين مازال البعض رأوا أن الكسائي والفراء من أئمة المدرسة البغدادية، ويزعم البعض أن المدرسة الكوفية ليست موجودة إلا أنها مجرد فترة تمهيدية لظهور المدرسة البغدادية[11].
          ولكن في الحقيقة إن الكسائي وهو الإمام الأول للكوفيين قد عرض اتجاها خاصا لنحاة الكوفة رغم أن هذا الاتجاه أخذه عن أستاذه الأخفش. فأصبح هذا المذهب قاعدة نحوية خاصة اتخذها نحاة الكوفة بعد الكسائي. والجدير بالذكر أن الفراء اختلف في عدة أمور عن أستاذه الكسائي وذلك من حقه كما اختلف سبويه عن أستاذه في بعض المسائل. والفراء هو الذي وضع أسسا خاصة بمعناها الحقيقية وأرسى أركان مدرسة الكوفة حتى انشق الطريق أمامه لإنشاء المدرسة النحوية المستقلة في الكوفة. ومن أهم المسائل التي تفرق بين الكوفيين والبصريين:
1.    الاتساع في الرواية خاصة في الشذوذ من الآتات القرآنية وفي أخذ الرواية عن أعراب المدن
2.    الاتساع في القياس والقواعد
3.    الاختلاف في استخدام المصطلحات النحوية
الاتساع في الرواية والقياس
        من أهم الأمور التي تفرق المذهبين الكوفي والبصري أن الكوفيين أخذ الكثير من رواية العرب في الأشعار والخطابة كما أنهم أكثروا من البحث في الشذوذ من الآيات القرآنية. أضف إلى ذلك إدخال بعض القياس الذي سمعه من العرب المتحضرة بينما وضع البصريون قواعده النحوية من العرب الفصحى الخلص فقط الذين سكنوا البدو. هذا الفرق يجعل البصريين يفاخرون على الكوفيين حيث قالوا إننا نأخذ النحو عن العرب الأصلية فعربيتنا عربية نقية خالصة من شوائب المدن.
          يمكننا أن نقول إن منهج البصريين في أخذ النحو عن العرب الخلص يجعل النحو البصري مبنيا على الأسس الواضحة والقواعد السليمة من الشوائب. ربما هذا هو السر الذي يجعل النحو البصري انتشر في العالم انتشارا واسعا واتخذه علماء النحو أساسا في تدوين علم النحو. لأن إخوانهم الكوفيين كثيرا ما أدخلوا بعض القياس من العرب المتحضرة بمجرد أنهم لم يسمعوا عنه من قبل وقال القدماء في وضوح فقالوا: ((لو سمع الكوفيون بيتا واحدا فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلا وبوبوا عليه)) وقالوا: ((عادة الكوفيين إذا سمعوا لفظا في شعر أو نادر كلام جعلوه بابا أو فصلا)).[12] 
          جدير بنا أن نذكر أيضا أن البصريين في بعض الأحيان كتبوا قياسا من غير الاعتماد على السماع وهذا مما يفرق بينهم وبين الكوفيين الذين اعتمدوا كثيرا على السماع ولو كان ذلك لايوافق بالقواعد الأصلية.          عندما نتكلم عن الفراء وهو المؤسس الحقيقي للمذهب الكوفي لابد أن نعرف أيضا أن الفراء من الفلاسفة والمتكلمين، فسوف نجد بعض ملامح الفلسفة في كتابه، يمكننا أن نقول أن اعتماده على السماع والاتساع في الرواية من العرب المتحضر والبدو جميعا من باب الاعتماد على اعتقاده بعلم الكلام.
 المصطلحات الخاصة بالمدرسة الكوفية
          من أهم مظاهر الاختلاف الذي يقصد به الكوفيون قصدا لتكون لهم مدرسة نحوية مستقلة اتخاذهم بعض المصطلحات التي تختلف بما اتخذها البصريون. رغم أن طريقة العمل والمعنى التي يريدها الكوفيون بهذه المصطلحات في كثير من الأحيان لا تختلف بما نجدها عند البصريين إنما الاختلاف في المصطلحات.
          ومن ذلك اصطلاح التقريب، وقد اختصوا به اسم الإشارة ((هذا)) في مثل ((هذا زيد قائما)) وجعلوه من أخوات كان أي أنه يليه اسم وخبر منصوب، بينما يعرب البصريون قائما حالا ويجعلون ما قبلها مبتدأ وخبراً.[13]
          ومن ذلك اصطلاح الفعل الدائم يقصدون به اسم الفاعل، وهو يقابل عندهم الفعل الماضي والفعل المستقبل الشامل لفعلي المضارع والأمر في اصطلاح البصريين. وكأنما دفعهم إلى ذلك أنهم وجدوه يعمل عمل الفعل. كما أن الأخفش الأوسط يجيز عمله في كل من الحالتين معرف أو غير معرف ولاحظ الكوفيون أيضا أنه يعمل بالاعتماد على نفي أو على حرف الاستفهام فسموه الفعل الدائم.
          وكانوا لا يطلقون كلمة المفعول إلا على المفعول به، أما بقية المفاعيل، فهي المفعول فيه والمفعول المطلق والمفعول لأجله والمفعول معه فكانوا يسمونها أشباه مفاعيل، وسموا الظرف ((الصفة والمحل)) وسموا لا النافية للجنس في مثل ((لا رجل في الدار)) باسم ((لا التبرئة)). والصفة في مثل ((محمد الشاعر أقدم)) باسم النعت.  وسموا حروف النفي بحروف الجحد أي الإنكار، كما سموا حروف الزيادة مثل إن في قولك (( ما إن أحد رأيته)) باسم حروف الصلة والحشو. وسموا المصروف والممنوع من الصرف باسم ((ما يجري)) و ((ما لايجري)). وسموا لام الابتداء في مثل ((لمحمد شاعر)) لام القسم زاعمين أن الجملة جواب لقسم مقدر.
          من هذه المصطلحات الكثيرة لم يعرفها كثير من الناس إلا مصطلحين النعت وصلة النسق وذلك لأن سبويه استخدم هذين المصطلحين في كتابه. وكما تكلمنا سابقا أن علماء النحو في كل أمصار و في كل أعصار فضلوا المذهب البصر في نحوهم على المذهب الكوفي. فاتخذ النحاة مصطلحات البصريين كما اتخذوا قواعدهم النحوية لأن المذهب البصري تشددوا في وضع القواعد كما تشددوا في تقليل الملامح المضرية التي تختلط بشيء كلام الأعجم التي سكنت المدن.
الكسائي
          هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الكسائي (119 هـ/737 م-189 هـ/805 م) مولى بني أسد من أصول فارسية. كان إمام الكوفيين في اللغة والنحو، وسابع القراء السبعة. ويعد المؤسس الحقيقي للمدرسة الكوفية في النحو[14]. 
          ولد الكسائي في الكوفة وكان له نسب فارسي. كان رجلا ذكيا مجتهدا قضى شبابيته في طلب العلم. قرأ على قراء الكوفة كما تلقى النحو عن أبي جعفر الرؤاسي وقرأ كتابه "الفيصل" ولكنه لم يجد ما يريده فرحل إلى البادية وتعلم العربية من العرب الخلص. ثم رحل إلى البصرة ودرس فيها النحو من عيسى ابن عمر وأبي عمرو ابن العلاء. قيل أنه لم يستطع حفظ القرآن حتى يعلم النصب والرفع لكل الكلمات. وعندما تعمق في النحو أصبح من أعلم القراء في ضبط الكلمات.
          عاد الكسائي إلى الكوفة وتلقى عنه الطلاب والتفوا حوله واشتهر بقدرته على القراءة المتميزة للقرآن الكريم فسمع عنه الخليفة المهدي فجعله الخليفة معلما لابنه هارون. وعندما تولى هارون الرشيد الخلافة جعله شيخا لابنيه الأمين والمأمون. ودعاه الرشيد كثيرا ليكون إماما له في مقر الخلافة.
          وكتب التاريخ مناظرته بعالم بصري سبويه عندما قدم بغداد في حاجة، فدارت بينه وبين الكسائي مناظرة تاريخية تعتبر من الأحداث المهمة في تاريخ المدارس النحوية. كان الكسائي أكبر من سبويه في العمر ولكن سبويه تفوق عليه في عدة جهات. وعرض الكسائي ضعف سبويه في عدم اتخاذ القياس عن أعراب المدن. وأما الكسائي أخذ بعض القياس النحوي من العرب الحطمة التي سكنت بغداد.
          بعد هذه المناظرة علم الكسائي أنه لم يكمل علمه تكملة تامة فأراد التلقى عن أئمة البصرة مرة أخرى. ولكن المنية أتت سبويه بعد فترة قصيرة. فأخذ الكسائي تلقى النحو عن الأخفش، فأعطى الأخفش منهجا يعجبه وقيل أن الأخفش هو الذي أعطى للكسائي طوابع النحو الكوفي التي لا تساوي بالنحو البصري لأن الأخفش علم أن الكسائي أراد أن يؤسس مدرسة نحوية مستقلة للكوفيين[15].
المدارس الأخرى (البغدادية، الأندلسية, المصرية)
المدرسة البغدادية
        المدرسة البغدادية عبارة عن المزج بين المدرسة البصرية والمدرسة الكوفية. وتتلمذ علماء بغداد للمبرد والثعلب. تحمل المدرسة البغدادية آراء المدرستين، وتعمق أهل بغداد في مصنفات أهل الصرة وأهل الكوفة. وأخذ ملامح الآراء الجديدة. هناك جيل من أهل البغداد الذين يميلون إلى المدرسة الكوفية، وهناك جيل آخر من أهل البغداد الذين يميلون إلى المدرسة البصرية.
          وحاول الباحثون المعاصرون أن ينفوا وجود المدرسة البغدادية لوجود الرجلين الذان اعترفا أنهما اتخذا مذهب أهل البصرة هما على الفارسي وابن جني. وهما من أهم أئمة النحاة في البغداد. فمصنفات على الفارسي وابن جني اتبعت منهج البغدادي الانتخابي الذي تمزج في آراء علماء الكوفة والبصرة.
          إن الأجيال الأولين من البغداديين سميت بالكوفيين تارة لأن ثلاثة من أئمة نحاتهم، ابن كيسان، وابن شقير وابن خياط هؤلاء قدوة أعلام كوفيين. وذلك لأن تأسيس المدرسة البغدادية بدأت بتلقى عن علماء الكوفة، ثم إلى علماء البصرة. وقال ابن الزجاجي ((من علماء الكوفيين الذين أخذت عنهم أبو الحسن ابن كيسان وأبو بكر ابن شقير وأبو بكر ابن خياط لأن هؤلاء قدوة أعلام في علم الكوفيين وكان أول اعتمادهم عليه، ثم درّسوا علم البصريين بعد ذلك فجمعوا بين العلمين))[16]
          وفي حين أبو على الفارسي و ابن جني كانا بغداديان يقفان غالبا مع البصريين وقد يقفان مع الكوفيين حسب اجتهادهما. وقال ابن جني أن الجيل الأول من البغداديين غلب عليهم النزعة الكوفية فكتب عنهم ابن جني أنهم من الكوفيين مدمجا سابقيه من أمثال الكسائي والفراء. وعلي الفارسي وابن جني أضافهما بعض الناس إلى البصريين وهما بغداديان، هذا ما يجعل الأمر يغم على بعض المعاصرين.
         
النشاط النحوي في الأندلس
          إن أول من جمع علم الفقه في الدين وعلوم العرب بالأندلس هو أبو موسى الهواري وذلك في أول عهد عبدالرحمن الداخل(138-172ه). وأول نحاة الأندلس الدقيق هو جودي ابن عثمان الموروري الذي رحل إلى المشرق وتلقى عن الكسائي والفراء وذلك في العصر الأموي. وهو أول من أدخل إلى موطنه كتب الكوفيين وهو أول من صنف في النحو ومازال يدرس طلابه بهذه الكتب حتى توفي سنة 198ه.
          وحتى القرن الثالث من الهجري تكاثر القراء والمؤدبون ومن أهمهم عبد الملك ابن حبيب السني هو إمام الفقه والنحو واللغة، وبين مصنفاته كتاب في إعراب القرآن. ويكنى في نفس القرن مفرج ابن ملك النحوي يوضع الشرح على كتاب الكسائي.
          ويبدو أن الأندلس تأخرت في دراسة النحو البصري، حتى في أواخر القرن الثالث جاء أحد طلاب الأندلس ادعى الأفشنيق محمد ابن موسى ابن هاشم المتوفى سنة 307 ه إلى المشرق ويلقى بمصر أبا جعفر الديروري ويأخذ عنه كتاب سبويه رواية فقرأه على طلابه بقرطوبة. وبدأ حياة النحاة تزدهر في عهد ملوك الطوائف واختلط علماء الأندلس بعلماء المشرق الآخرين. وانتهج علماءها كثيرا بمنهج الآخرين من النحاة خاصة على الفارسي وابن جني.
المدرسة المصرية
          كان طبيعيا أن تنشط الأنشطة العلمية في مصر منذ عصر مبكر بعد انتشار الإسلام وفتحها في عهد عمر ابن خطاب. أول النحاة في مصر ولّاد ابن محمد التميمي البصري. فهو بصري الأصل الناشئ في الفسطاط ثم رحل إلى العراق فلقي الخليل ابن أحمد فأخذ عنه ولازمه وسمع منه الكثير وعاد إلى مصر وحمل معه كتبه فعلم بها طلابه في الفسطاط. كان يعاصره أبو الحسن الأعز الذي تتلمذ على الكسائي بذلك بدأت الدراسة النحوية في مصر في زمن مبكر بإمامين الكوفي والبصري.
          وتلت هذه الطبقة طبقة ثانية لمع فيه ديناوري أحمد ابن جعفر الذي رحل من موطنه ديناري إلى بصرة في طلب النحو فأخذ عن المازني وحمل عنه كتاب سبويه، ودخل إلى بغداد وأصهر إلى ثعلب غير أنه كان يترك حلقاته إلى حلقات المبرد. ثم قدم مصر واستقر بها يعلم النحو وألف كتابا لطلابه المهذب ذكر في صدره اختلاف الكوفيين والبصريي، وكان يعاصره محمد ابن الولاد ابن محمد التميمي. وقد عكف مثل أبيه في الدراسة العربية وأخذ كل ما عند الديناوري ومن يعاصره من العلماء. ثم رحل محمد ابن ولاد إلى بغداد وقرأ كتاب سبويه على المبرد. ثم عاد إلى مصر ثفتصدر لإقراء النحو وصنف كتابا سماه "منمّق"
الخاتمة 
          هذا البحث تكون من ثلاثة أقسام، وقد تحدثنا عن المدرسة البصرية وعن تاريخ علم النحو و تكلمنا عن أهم نحاة البصرة من أمثال سبويه، والأخفش الأوسط، الخليل ابن أحمد الفراهيدي. وفي القسم الثاني تحدثنا عن المدرسة الكوفية وكيف نشأت، وما الفروق التي تجعلهما مختلفة عن المدرسة البصرية، كما تكلمنا عن أهم أئمة النحاة في الكوفة وهو الكسائي.
          وفي القسم الثالث تحدثنا عن ثلاث مدارس أخرى وهي المدرسة البغدادية والمدرسة الأندلسية، والمدرسة المصرية. ونعرف من خلال هذه كلها أن علوم النحو تحيي وتنتعش بمساهمة علماءه المجتهدين. رغم أننا وجدنا بعض الفروق بين تلك المدارس في المصطلحات وفي الروايات، إلا أن ذلك لا تنفي وجود الاتفاق في الكثير من الأمور التي تجعل العلم النحو لا تنفلق بوجود هذه المدارس ولكنه تكتمل شيئا فشيئا مع مرور الزمن. فالمدرسة الكوفية تأتي بعد المدرسة البصرية فتكمل بعض القياس التي لم تبوبه البصريون حيث أن الكوفيين أكثروا في أخذ النحو عن العرب المتحضرين. والمدارس الأخرى هي عبارة عن مزج أراء المدرستين البصرية والكوفية.
 
 
         
         
 
 


[1] انظر في ترجمة الزبيدي ص 135
[2]  الدرس النحوي في بغداد : 6
[3] http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=543687.0
[4] أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المعروف بالمبرد ينتهي نسبه بثمالة، وهو عوف بن أسلم من الأزد.(ولد 10 ذو الحجة 210 هـ/825 م، وتوفي عام 286 هـ/899 م) هو أحد العلماء الجهابذة في علوم البلاغة والنحو والنقد، عاش في العصر العباسي في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)
[5] المقتضب : 2 / 155
[6] الدرس النحوي في بغداد : 215
[7] http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=543687.0
[8] http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=543687.0
[9][9] المدرسة النحوية ص 154
[10] المصدر السابق
[11] المدرسة النحوية 156
[12] همع الهوامع 1/45
[13] المدارس النحوية 166
[14] http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%8A
[15] المدارس النحوية 175
[16] الإيضاح في علل النحو للزجاجي ص 79

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق