بأقلام : خير النساء، وسيلة فوزية، مريم قانتات، أرنيا
سعيدة
المقدمة
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة
للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وعمل سنته إلى يوم الدين. يا ربنا لك
الحمد كله ولك الشكر كله، كما أنعمت وباركت وتفضلت. وصلّ اللهم وسلم على عبدك
ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد. يكرمنا بحضوركم في هذه
المنافسة الغالية أن نقدم لكم بحثا علميا عن قضية الترجمة والتعريب وإشكالات فى
عصرنا الحديث. ونقدم لكم كلمة الشكر على خلوص المعاونات في كتابة هذا البحث. فما
نحن إلا من معاونتكم.
البحث
من قضايا اللغة
العربية قضية التّرجمة والتّعريب وإشكالات المعاصرة. إنّ هناك اتجاها فكريا سائدا
في الوطن العربي يرى أنّ اللغة العربية لا تصلح للعصر التقني الحديث لضعفها
الذّاتيّ ومجافتها العلم وعنايتها التاريخية بالآداب والفنون. وأتباع هذا الاتجاه
مؤمنون باللغات الأجنبية، خصوصا الانكليزية والفرنسية، لأن هاتان اللغتين تتوافر
فيها صفات المعاصرة من بعد عن التعصّب، وقدرة على مواكبة التقنيات الحديثة
والنظريات العلمية، فضلا عن انتشارها فى العالم وسيادتها فى مؤسسات التعليم
واستنادهاا لى قوى سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة.
و هناك اتجاهًا فكريا
آخر يستحق السيادة فى الوطن العربى، يرى أن اللغة العربية مؤهّلة لمواكبة العصر الحديث.
فهي غنيّة بخصائصها الذّاتيّة وتاريخها وحضارتها. وقد اثبتت فى العصر الحديث
قدرتها على التّرجمة والتّعريب.
وهذان الاتّجاهين متعارضين فى هذه القضية. ولهما الأتباع المتعصّبون. فاختار المؤلف سمر روحي الفيصل الاتجاه الآخر فهو نظر في حركة الترجمة والتعريب وإشكلات المعاصرة. فهنا سنبحث عن هذاالاتجاه.
وهذان الاتّجاهين متعارضين فى هذه القضية. ولهما الأتباع المتعصّبون. فاختار المؤلف سمر روحي الفيصل الاتجاه الآخر فهو نظر في حركة الترجمة والتعريب وإشكلات المعاصرة. فهنا سنبحث عن هذاالاتجاه.
اوّلا:
يرى الباحثون انّ
الهدف النهائي للأمة العربية هو "مواكب الحضارة العلمية والاسهام فيها"
ولكن قبل نبحث هذا الهدف يجب علينا أن نعرف مصطلح "الحضارة" ويفرّقها
بكلمة التي يرادفها مثل الكلمة "المدنيّة".
حدّد محيي الدين صابر[1]
للمصطلحين المذكورين:
- الحضارة هي: الكل المعقد الذي يتضمّن المعرفة
والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والتقاليد والقدرات التى يكتسبها الإنسان بوصفه
عضوا فى المجتمع.
- المدنية هي: النشاط الإنسانيّ فى غزو ميادين
الطبيعة عن طريق العقل وفى محيط العلم والفنون الصناعية والتحطيط.
رسخ عمر الخطيب[2] أن
(الحضارة) قيمة جذريّة عليا تنمو وتنضج، كما أنها نظام كلّيّ و شمولي للقيم
والمعارف والخبرات، حين تعد (مدنية) جزءا من الحضارة، تنشأ في رحابها وتتكيّف معها
وتؤثر فيها و تأثر بها. من هذا المطلق يبدو أن التفريق الذي قدمه عمر الخطيب ينفى
ما ردده الغرب واعتنقه بعض العرب من أن الأمة العربية مختلفة حضاريا لأنها لم تبلغ
المرحلة الثورة االصناعية. ولا بدّ لكل عربى أن يتخلص من هذا المفهوم العربى لأنه
يقود التبعية والشك فى الهوية الحضارية العربية الإسلامية.
التداخل بين مصطلحى
"الحضارة" و "المدنية" نتيجة بديهية للسعى الخارجى والداخلى
المعوق للتنمية العربية وخنق الهوية الحضارية العربية الاسلامية. و هذا أن
العاملين الخارجى والداخلى يؤلفان جوهر اشكلات المعاصرة سواء فى حركة الترجمة او
فى بناء المجتمع. أما العامل الخارجى فماثل فى المستعمر الأجنبي بشكليه القديم
والحديث. شكلية القديم بإستعمارية وقساوة فى زمن الماضى. والحديث بغزو ثقافي
منظّم، يمثله افتتاح الكليات والمعاهد، وفرض عليها مناهجه، وربى مدرسيها وجعلهم
يتخرجون في جامعاته.
أما العامل الداخلى
يتمثل فى السلطات السياسية الراضية بالتجربة التي فرضها المستعمر، ضعيفة الثقة بقدرات
الانسان العربي. والواقع أن العرب لم يستسلموا كليا للعاملين الخارجى والداخلى. ولكن
هناك فئات ترفض التبعية، وتسعى الى نهضة الأمة العربية، ولهذا السبب لم يراودنا
شكّ في أنّ حركة الترجمة والتعريب هى التعبير الواضح أن الهوية الحضارية العربية
الإسلامية لا تعني الإنغلاق، بل تعنى الانفتاح على المدنية الغربية بغية الإفادة
منها فى تحديث المجتمع العربى. بل فى نفس الوقت أنّ الترجمة والتعريب هى مواكبة
المدنية بما تدلّ على ثورة التقنيّة لأن هدفها جعل اللغة العربية تواكب التنمية
وجعل الأمة العربية صاحب الحضارة.
ثانياً:
المراد من مصطلحى
(الترجمة) و (التعريب).
إن مصطلح الترجمة واضح لا
لبس فيه فهو نقل اللفظ أو النص من لغة إلى لغة أخرى. وفي هذا النقل شروط:
١. وضوح الترجمة ودقتها
٢.الأمانة العلمية في نقل المعاني
والأفكار
ومن شروط المترجم فلابد من إتقان اللغة التي يترجم منها واللغة التي يترجم
إليها، ومن إلمام كاف بالحقل المعروفي الذي ينتمي إليه النص المراد ترجمته، ومن
معرفة أسلوب صاحب النص. ولابد قبل ذلك أن نعرف إن ترجمة النص الأدبي تختلف عن
ترجمة النص العلمي.
فالنص الأدبي يضم هدفاً جمالياً فضلاً عن شكله ومضمونه، وأما النص العلمي
يخلو من الهدف الجملي ويضم أفكاراً ومصطلحات لابد من الدقة والأمانة والوضوح في
نقلها إلى القارىء، دون أن يشعر هذا القارىء بجفاف العلم وغموض الدلالة.
أما التعريب مصطلح قديم إكتسب دلالة جديدة في العصر الحديث وهو نقل اللفظ
الأجنبي إلى اللغة العربية. وقد إستعملت كلمة (المعرب) بمعنى اللفظ الأجنبي الذي
غيره العرب ليكون مطابقاً على منهاج كلامهم إلى جانب كلمة (الدخيل) ، وهو اللفظ
الأجنبي الذي دخل العربية دون تغيير كاالتلفون أو كمبيوتر مثلاً أو بتعديل بسيط
كإضافة همزة وصل متحركة للتخلص من الإبتداء بالساكن في إستبرق مثلا.
وكان العرب في العصر الوسيط لم يكن ميالا إلى التعريب إلا إذا يكن مضطرا
إليه. أما اللفظ الدخيل فكان العرب أكثر نفورا منه. أن العرب لا يحب على التعريب واللفظ
الدخيل إذا لم يكن مضطرا إليه. وهم يبدو أن قبوله كان محدودا مقصورا على الضرورات
الكبرى. أن النفور من الدخيل والمعرب قد تغير كثيرا في العصر الحديث. وبدأت لفظة
التعريب تتسع إنفتاح العرب على التمدن الغربي. ووقع الجدال بين أنصار التعريب و
مانعيه. لكن الحاجة اللغوية حسمت الجدل وأقرت التعريب وأجازت لمجمع اللغة العربية
بالقاهرة بإصدار قرارٍ بإجازة استعمال بعض الألفاظ الأعجمية عند الضرورة على طريقة
العرب في تعريبهم.
وقد قسم الدكتور سمر روحي الفيصال الى طورين مهمين:
·
الطور اللغوي
·
الطور القومي
الطور اللغوي فقد قاد إليه التفجر المعرفي في العالم في النصف الثاني من
القرن العشرين. والمراد بهذا التطور اللغوي هو إستعمال اللغة العربية في مختلف
فروع المعرفة كلاما وكتابة، دراسة وتدريسا، بحثا وترجمة وتأليفا. وأما الدافع هذا
الطور اللغوي هو شعور الأمة العربية بالخطر المحدق باللغة العربية الفصيحة إذا
إستمر تدقق المصطلحات الأجنبية إلى الحياة العربية وبقيت الجامعات والمعاهد العليا
تدرس العلوم باللغة الأجنبية.
أما الطور القومي هو التطور الأخير لدلالة التعريب. والمراد بهذا الطور
القومي جعل اللغة العربية أداة التفكير والكتابة والإستعمال في الحياة الإجتماعية
والإقتصادية والعلمية والأدبية والتربوية العربية بغية التخلص من التبعية ومخلفات
الإستعمار.
أما العلاقة بين الترجمة والتعريب فقد إختلف الباحثون في تحديدها. فقيل إن
الترجمة مرحلة أولى لابد منها في الوطن العربي وهي مقدمة التعريب. وقيل إن التعريب
هو هدف وإن الترجمة وسيلة من وسائله.
ثالثاً:
أعتقد بأنّ هناك ثلاث اشكالات. وهذا الإشكال كله
ابرز التي طرحت في اثناء الشكّ في قدرة اللغة العربيّة علي مواكبة العصر الحديث،
يعني ما يلي :
١. الإشكال المعرفّي
العلم يعني المعرفة.
وحين يقال أنّ العصر الحديث عصر الثّورة العلميّة فإنّ ذلك أنّه عصر التّفجّر
المعرفىّ. ففى كلّ يوم نظريات ومصطلحات وتقنيات جديدة تغزو العالم وتسعى على سيطرة
عليه. وليس أمام الأمم المتخلّفة غير الإختيار بين التبعيّة المطلقة أو التنميّة. أمّا
الأولى التسليم بتفوق الغرب والانضواء تحت راياته والإذعان لرغاباته فى السياسة
والإقتصاد. الثاني التخلص وسلوكاته، وإنشاء المؤسّسات الحديثة ومراكز البحثي
العلمي، وإعادة تربية الإنسان، والخلق المناخ الاجتماعي السياسي المواتي للإبداع،
والإعتماد على الموارد المحليّة والامكانات الذاتية، والتعاون بين الأقطار الصغيرة
و السعي الي وحدتها جزئيّا أو كلّيا. والثّابت أنّ الأمّة العربيّة إختارات
التّنميّة ورفضت التّبعيّة المطلقة.
نبع الإشكال المعرفيى إذ إنّ الخلط بين الحضارة
والتّمدّن أثرا فى الإتجاه التّنميّة إلى علوم العصر ومصطلحاته وتقنيّاته وأبعدها
عن بناء الإنسان العربى الجديد إستنادا إلى قيم حضاراته العربيّة الإسلاميّة
وخبراتها ومعارفها. ومن هذا الإشكال يؤدّي إلى الفهم الأحادي للتنميّة. وهناك
فريقين. الفريق الأول، الذى يعادي التّرجمة والتّعريب مؤمن بأنّ التقدّم العلمى
يجب أن يتحقّق باللغات الأجنبيّة، ويضمر هذا الفريق الشكّ بقدرة اللّغة العربيّة
على النّهوض بهذا الأعباء الجسام. أمّا الفريق الثاني، الذي ناصر حركة الترجمة
والتعريب مؤمن على أداء اللغة العربية بهذه المهمّة. بيد أنّ الفريق الأول يعوم
على سطح الإشكال تبعا لتبنّيه اللغات الأجنبيّة ورضاه بالتّبعيّة، فى حين الفريق
الثّانى المناصر للتّرجمة والتعريب فيه. ومن ثمّ يبدو الإشكال المعرفى أكثر وضوحا
لديه، ذلك أنّه إطمأنّ إلى أنّ الإبداع العلمى لايتحقّق إلا باللغة القومية. فإذا
تحقّق ذلك أصبحت قضية الإبداع العلمى يسيرة.
وقد إعتمد الباحثون
الترجمة والتعريب وسيلتان لنقل المعارف من اللغات الأجنبيّة إلى اللّغة العربيّة. وعلى
الرغم من أنّ التّعريب لم يحتلّ المرتبة الأولى بين هذه القاعدة. ولعلّ قبوله من
الزاوية اللغويّة عائدا إلى أنّ اللفظية المنقولة تلبس بوساطته الثوب العلمى وتضاف
إلى الثّورة اللغويّة العربيّة. أما الترجمة الحرفية للفظ الأجنبى فقد عارضها كثير
من الباحثين واللغويين، لأنها نقل اللفظ الأجنبي بحروف عربيّة بتعديل بسيىط أو دون
تعديل، لكنّهم سرعان ما قبلوها و فتحوا صدورهم لها وعدّوها إغناء اللغة العربيّة
الفصيحة وإن لم يتوسّعوا فيها.
و قد ميّزوا الباحثون
بين الترجمة النصوص وتعريبها, فالتزموا الأمانة العلميّة والدقّة والوضوح ومراعاة
بناء الجملة العربيّة فى التّرجمة، وفهموا النّصوص وتمثّلوها ثمّ عبّروا عنها بأسلوب
عربيّ فى التّعريب.
٢. الإشكال التّارخي
خاضت الأمّة العربيّة
في العصر الوسيط تجربة الإتّصال بالثّقافات السائدة بواسطة التّرجمة والتعريب، وتكلّلّت
تجريبتها بالنجاح في النّقل الثقافات اليونانيّة والرومنية والفارسيّة
والسّريانيّة والهنديّة وغيرها الي اللغة العربيّة. وكان النتيجة التي لم يشك فيها
إلا الغلاة المتعصّبون هي أنّ الحضارة العربيّة الإسلاميّة التي ازدهرت آنذاك
طوّرت ما نقلته من الثّقافات الأجنبيّة وأضافت إليها معارف إنسانيّة وعلميّة
نظريّة وتطبيقيّة كثيرة.
المؤمنون يعتزّون
بتجربة العرب في الإتّصال بالثّقافات الأخري بواسطة حركة التّرجمة والتّعريب، ولا
تعوزهم الحجة على إمكانيّة الإفادة منها فى النهضة المعاصرة عموما، وفى حقل
الترجمة خصوصا. وانتجوا من ذالك آلاف التّسميّات والمصطلحات وعشرات المعجمات، كما
ترجّموا البحوث والدّراسات والكتب، وحقّقوا جانبا من التّراث العلمي العربي ودرسوا
تاريخه وأعلامه. وهذا الإعتزاز نابع على الإ شكال التّارخى.
كان الإشكال التّارخي
نابع من أنّ التّجربة التّارخيّةلم تدرس جيّدا، وأنّ الإعتزاز بها حجب عن الأمة
العربية فرص الإفادة منها. إذ أنّ نجاح حركة الترجمة والتعريب ليس مقصورا على نجاح
فى الإتّصال بالثّقافة الأخرى، بل إنّما هناك عوامل آخر يؤدّى إلى نجاح حركة
التّرجمة والتّعريب فى عصر الوسيط. يعنى ما يلى:
·
انّ
الدّولة العربيّة الإسلاميّة كانت فتيّة تملؤها الحماسة وتدبّ بين أعطافها القوّة،
في حين كان الضعف مستشريا في الأمم الأجنبيّة.
·
اهتمام
الخلفاء و الأمراء بحركة التّرجمة والتّعريب واحترامهم العلم والعلماء
·
وحدة
العالم الإسلامي
ولكن قال د. سمر روحي
علي أنّ نجاح حركة الترجمة والتعريب في العصر الوسيط ترجع الي العوامل الموضوعيّة,
يعني :
·
حريّة
الرّأي
·
سيادة
الروح العلميّة المنهجيّة
·
السّموّ
الأخلاقي
قال د.سمر روحى على
أنّ نجاح التّرجمة والتّعريب في العصر الحديث تفتقر إلى القرار السّياسى فى شئونها
كلّها، وخصوصا توحيد المصطلحات و تعريب التعليم الجامعي.
٣. الإشكال اللغوي :
نبع الإشكال الّلغوي
بأمرين يخصّان اللّغة العربيّة الفصيحة فى العصر الحديث، هما عدم قدرتها على وضع
تسميات ومصطلحات مناسبة للعلوم والتّقنيات الحديثة الوافدة من اللّغات الأجنبيّة،
وعدم صلاحيتها لتدريس العلوم فى المعاهد العليا والجامعات. وإنّ حركة الترجمة
والتّعريب حلّ لهذا الإشكال اللّغوي. وكان اقتصر د.سمر روحي على قضيّة وضع
المصطلحات لاتّصالها بهذا الإشكال اتّصالا مباشرا.
وهناك تعريفات كثيرة علي لفظ المصطلاح، لكن
نكتفي بهذا التّعريف. المصطلاح لفظ أصطلح أو إتّفق على أدائه مفهوما محدّدا، لأنّ
الذهن سينصرف إلى المفهوم المتّفق عليه تبعا لكون دقّة الدّلالة لا تأتى إلاّ بعد
التّوضح والإصطلاح على المعنى. كما أنّ المصطلاح لا يبدو صعبا أو غريبا إذا شاع
إستعماله وتداولته الألسنة.
وكان تفجّر المعرفّى
فى العصر الحديث قاد إلى نشوء علم المصطلح. علم المصطلح هو علم يبحث فى العلاقة
بين المفهومات العلميّة والمصطلحات اللغوية الّتي تعبّر عنها. وقد فرّق علم
المصطلحات بين الكلمة اللّغويّة والمصطلح. الكلمة اللّغويّة هي رمز لغوي يعطي
لمحتويّاته العديد من المعانى دون حدود واضحة، مع انتقال تدريجي أحيانأ من المعنى
الى آخر. أما المصطلاح هو رمز لغويّ مخصّص لتصوّر محدّد أو لأكثر من تصوّر واحد
أحيانا.
ولا شكّ فى أنّ
الرغبة على مواكبة العصر هو الّتى دفعت الباحثين العرب والمجامع اللّغويّة
والمؤسّسات الوطنيّة والقوميّة إلى وضع المصطلحات العلميّة، لأنّ المصطلح أداة
البحث ولغة التّفاهم بين العلماء وجزء مهمّ من المنهج العلمى. بيد أنّ النمو
العديد للمصطلحات الموضوعة ذو وجهين إيجابي وسلبي. أما الوجه الإيجابي هو الدّليل
المادي على أنّ اللّغة العربيّة الفصيحة لا تعوزها القدرة على المصطلحات العلميّة.
أمّا السّلبي هو فيتجلّي في تعدّد المصطلحات الموضوعة للمفهوم الواحد وتباينها بين
الدول العربية، فضلا عن تعدّد مصادرها الثّقافيّة. وإعتقد د.سمر روحي على أنّ
الإشكال اللّغوي يرجع الى هذا الوجه السّلبي، وهو وجه غير لغويّ وليست له علاقة
بالقضيّة الفنّية الخاصة بصوغ المصطلحات العلميّة الحديثة.
رابعاً:
بعد فحص تلك الإشكالات الثلاثة أخلص الدكتور سمر روحي الفيصل إلى نتائج
واقتراحات لغوية خاصة بحركة الترجمة والتعريب في العصر الحديث. فاتهام اللغة
العربية بالعجز عن الوفاء بالحاجات العلمية العربية لا أساس له من الصحة. لأن اللغة
العربية قادرة على وضع المصطلحات وترجمة الكتب
وتعريب ما يجد في اللغات الأجنبية اعتمادا إلى خصائصها الذاتية من اشتقاق ومجاز ونحت وإبدال واقتراض وتضمين وقياس وقلب وترجمة
وتعريب. ولا يعوق فيها الترجمة والتعريب ولكنّها
عبرت عن مرونة ودقة واتساع في قبول المعرّب والمترجم سواء كان لفظا أم نصا. وأجازت
للغويين والاختصاصيين في العلوم المختلفة في رحابها. فيكون بسيط لفهمهم علم
الترجمة ومصطلح التعريب وانفتاحهم على العصر الحديث من خلاله.
وفي هذه القضية ادّعى الدكتور سمر روحي إلي إغلقها من قضايا اللغة العربية،
لأنها قضية مفتعلة. وأن الإطمئنان العلمي إلي قدرة اللغة العربية الفصيحة على نقل
العلوم والتقنيات الحديثة يجعل الباحثين العرب على قدرة كبيرة من الثقة بلغتهم، مع
أنهم يحتاجون إلى هذه الثقة ليتمكنوا من تجسيد المفهوم الحديث الواسع من مصطلح
التعريب. ولا يعني الركون إلى الثقة
بالفصيحة وإهمال العمل اللغوي. لأن الثقة شيء ضروري جدّا، ولكن تضعف إذا لم
يشاركها عمل لغوي.
وبعد فحص الإشكالات الثلاثة يمكن عدّ نواة (الاستراتيجية[3])
إلى أمور لغوية، وهذه أظهرها بالنسبة إلى حركة الترجمة والتعريب. وهي ما يلي:
١. اعتماد المفهوم الواسع للتعريب هدفا رئيسا، وعدّ
الترجمة وسيلة من وسائل تحقيقه.
٢. اعتماد المجامع اللغوية
العربية مرجعا وحيدا لإقرار المصطلحات العربية في العلوم والفنون والأدب والمكتب
الدائم لتنسيق الالتعريب في الوطن العربي مسؤولا وحيدا عن توحيدها.
٣. دعم المركز العربي
للترجمة التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وعده المرجع المسؤول عن
إقرار خطط الترجمة وتنظيمها في العلوم والفنون والآدب كافة.
٤. لا يصلح ارتفاع مصطلح
أو كتاب إلى اتحاد المجامع اللغوية العربية والمركز العربي للترجمة إذا لم يوافقه
الاختصاصيون واللغويون.
٥. استعمال المصطلحات التي
وجدها المؤلفون والمترجمون العرب في العصر الوسيط.
أن النقاط السابقة تعبر أن النهضة العربية لا تتحقق إلا بالوحدة. وبعد فحص
تلك الإشكالات الثلاثة دلالات على أن هذا الأمر مستمدة من حركة الترجمة والتعريب. فالإشكال
اللغوي دلّ على أن الأمة العربية تحتاج في العصر الحاضر إلى توحيد المصطلحات
العلمية بين الدول العربية منعا للخلل في
لغة البحث العلمي. وقد قام المكتب الدائم لتنسيق التعريب بهذه المهمة.
والإشكال المعرفي دلّ على الحقيقة القومية نفسها. فهذا الإشكال أشار إلى أن
حركة الترجمة والتعريب لا يدرك من الزاوية اللغوية الخاصة بقدرة اللغة العربية
الفصيحة بل إنها أشار أيضا أن الأمة العربية لن تستطيع الستمرار فيما خلق اللغات
الأجنبية. لإن الاستمرار يعني التبعية مع أن الأمة العربية لا يقبل التبعية وترغب
في التنمية.
وما زال الإشكال التاريخي عن الحقيقة القومية نفسها، فدلّ على أن نجاح حركة
الترجمة والتعريب في العصر الوسيط لا يرجع إلى قدرة اللغة العربية وحدها، بل يرجع
إلى أسباب خارجية وعوامل موضوعية لا تخرج عن قوة الدولة العربية الإسلامية
الواحدة. تلك هي النتائج الناقصة، وترجى تطبيقها في التعليم العالي والجامعي.
الخلاصة
أن اللغة العربية لها
قضايا كثيرة، منها قضية الترجمة والتعريب وإشكالات المعاصرة. وبعد فحص تلك
الإشكالات تحصل منها نتائج واقتراحات بحركة الترجمة والتعريب. ولكن تلك النتائج
ناقصة، تحتاج إلى تطبيقها في التعليم العالى والجامعي.
[1] اعلام التعليم فى السودان و اوّل جاصل على شهادة الدكتور فى السودان وأوّل من عير النظم
التعليمى الموروث من لإنجليز،ولد في دلقون الحس(قرية اقتري)عام 1919 م،رأس تحريرى
عدة صحف سودانية خلال 1965 م-1959 م،لديه عشرات المؤلفات والبحوث المنشور.
[2] ولد عام 1930( توفى في 7 ديسمبر 2007 عن 77
عام)، إعلامي أردني من أصول فلسطينية،اشتهر
ببرامج المسابقات الإذاعية والتلفزيونية. كما قدم العديد من الندوات الحوارية
باللغتين العربية والإنجليزية. عمل في الإذاعة،له عدة
مؤلفات وكتب بالعربية والإنجليزية، وعدد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية من
إعداده وتقديمه؛ منها "فكر واربح" الذي عرض في السعودية والأردن ومصر
والإمارات، والندوة التلفزيونية "حوار"، والندوة التلفزيونية "FORUM" باللغة
الإنجليزية، وبرنامج المسابقات التلفزيوني "بنك المعلومات".
[3] Strategy