الجمعة، 25 أكتوبر 2013

قضية الترجمة و التعريب و إشكالات المعاصرة

بأقلام : خير النساء، وسيلة فوزية، مريم قانتات، أرنيا سعيدة

المقدمة
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وعمل سنته إلى يوم الدين. يا ربنا لك الحمد كله ولك الشكر كله، كما أنعمت وباركت وتفضلت. وصلّ اللهم وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد. يكرمنا بحضوركم في هذه المنافسة الغالية أن نقدم لكم بحثا علميا عن قضية الترجمة والتعريب وإشكالات فى عصرنا الحديث. ونقدم لكم كلمة الشكر على خلوص المعاونات في كتابة هذا البحث. فما نحن إلا من معاونتكم.
البحث
من قضايا اللغة العربية قضية التّرجمة والتّعريب وإشكالات المعاصرة. إنّ هناك اتجاها فكريا سائدا في الوطن العربي يرى أنّ اللغة العربية لا تصلح للعصر التقني الحديث لضعفها الذّاتيّ ومجافتها العلم وعنايتها التاريخية بالآداب والفنون. وأتباع هذا الاتجاه مؤمنون باللغات الأجنبية، خصوصا الانكليزية والفرنسية، لأن هاتان اللغتين تتوافر فيها صفات المعاصرة من بعد عن التعصّب، وقدرة على مواكبة التقنيات الحديثة والنظريات العلمية، فضلا عن انتشارها فى العالم وسيادتها فى مؤسسات التعليم واستنادهاا لى قوى سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة.
و هناك اتجاهًا فكريا آخر يستحق السيادة فى الوطن العربى، يرى أن اللغة العربية مؤهّلة لمواكبة العصر الحديث. فهي غنيّة بخصائصها الذّاتيّة وتاريخها وحضارتها. وقد اثبتت فى العصر الحديث قدرتها على التّرجمة والتّعريب.
وهذان الاتّجاهين متعارضين فى هذه القضية. ولهما الأتباع المتعصّبون. فاختار المؤلف سمر روحي الفيصل الاتجاه الآخر فهو نظر في حركة الترجمة والتعريب وإشكلات المعاصرة. فهنا سنبحث عن هذاالاتجاه.
اوّلا:
يرى الباحثون انّ الهدف النهائي للأمة العربية هو "مواكب الحضارة العلمية والاسهام فيها" ولكن قبل نبحث هذا الهدف يجب علينا أن نعرف مصطلح "الحضارة" ويفرّقها بكلمة التي يرادفها مثل الكلمة "المدنيّة".
حدّد محيي الدين صابر[1] للمصطلحين المذكورين:
- الحضارة هي: الكل المعقد الذي يتضمّن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والتقاليد والقدرات التى يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا فى المجتمع.
- المدنية هي: النشاط الإنسانيّ فى غزو ميادين الطبيعة عن طريق العقل وفى محيط العلم والفنون الصناعية والتحطيط.
رسخ عمر الخطيب[2] أن (الحضارة) قيمة جذريّة عليا تنمو وتنضج، كما أنها نظام كلّيّ و شمولي للقيم والمعارف والخبرات، حين تعد (مدنية) جزءا من الحضارة، تنشأ في رحابها وتتكيّف معها وتؤثر فيها و تأثر بها. من هذا المطلق يبدو أن التفريق الذي قدمه عمر الخطيب ينفى ما ردده الغرب واعتنقه بعض العرب من أن الأمة العربية مختلفة حضاريا لأنها لم تبلغ المرحلة الثورة االصناعية. ولا بدّ لكل عربى أن يتخلص من هذا المفهوم العربى لأنه يقود التبعية والشك فى الهوية الحضارية العربية الإسلامية.
التداخل بين مصطلحى "الحضارة" و "المدنية" نتيجة بديهية للسعى الخارجى والداخلى المعوق للتنمية العربية وخنق الهوية الحضارية العربية الاسلامية. و هذا أن العاملين الخارجى والداخلى يؤلفان جوهر اشكلات المعاصرة سواء فى حركة الترجمة او فى بناء المجتمع. أما العامل الخارجى فماثل فى المستعمر الأجنبي بشكليه القديم والحديث. شكلية القديم بإستعمارية وقساوة فى زمن الماضى. والحديث بغزو ثقافي منظّم، يمثله افتتاح الكليات والمعاهد، وفرض عليها مناهجه، وربى مدرسيها وجعلهم يتخرجون في جامعاته.
أما العامل الداخلى يتمثل فى السلطات السياسية الراضية بالتجربة التي فرضها المستعمر، ضعيفة الثقة بقدرات الانسان العربي. والواقع أن العرب لم يستسلموا كليا للعاملين الخارجى والداخلى. ولكن هناك فئات ترفض التبعية، وتسعى الى نهضة الأمة العربية، ولهذا السبب لم يراودنا شكّ في أنّ حركة الترجمة والتعريب هى التعبير الواضح أن الهوية الحضارية العربية الإسلامية لا تعني الإنغلاق، بل تعنى الانفتاح على المدنية الغربية بغية الإفادة منها فى تحديث المجتمع العربى. بل فى نفس الوقت أنّ الترجمة والتعريب هى مواكبة المدنية بما تدلّ على ثورة التقنيّة لأن هدفها جعل اللغة العربية تواكب التنمية وجعل الأمة العربية صاحب الحضارة.
ثانياً:
المراد من مصطلحى (الترجمة) و (التعريب).
إن مصطلح الترجمة واضح لا لبس فيه فهو نقل اللفظ أو النص من لغة إلى لغة أخرى. وفي هذا النقل شروط:
١. وضوح الترجمة ودقتها
٢.الأمانة العلمية في نقل المعاني والأفكار
ومن شروط المترجم فلابد من إتقان اللغة التي يترجم منها واللغة التي يترجم إليها، ومن إلمام كاف بالحقل المعروفي الذي ينتمي إليه النص المراد ترجمته، ومن معرفة أسلوب صاحب النص. ولابد قبل ذلك أن نعرف إن ترجمة النص الأدبي تختلف عن ترجمة النص العلمي.
فالنص الأدبي يضم هدفاً جمالياً فضلاً عن شكله ومضمونه، وأما النص العلمي يخلو من الهدف الجملي ويضم أفكاراً ومصطلحات لابد من الدقة والأمانة والوضوح في نقلها إلى القارىء، دون أن يشعر هذا القارىء بجفاف العلم وغموض الدلالة.
أما التعريب مصطلح قديم إكتسب دلالة جديدة في العصر الحديث وهو نقل اللفظ الأجنبي إلى اللغة العربية. وقد إستعملت كلمة (المعرب) بمعنى اللفظ الأجنبي الذي غيره العرب ليكون مطابقاً على منهاج كلامهم إلى جانب كلمة (الدخيل) ، وهو اللفظ الأجنبي الذي دخل العربية دون تغيير كاالتلفون أو كمبيوتر مثلاً أو بتعديل بسيط كإضافة همزة وصل متحركة للتخلص من الإبتداء بالساكن في إستبرق مثلا.
وكان العرب في العصر الوسيط لم يكن ميالا إلى التعريب إلا إذا يكن مضطرا إليه. أما اللفظ الدخيل فكان العرب أكثر نفورا منه. أن العرب لا يحب على التعريب واللفظ الدخيل إذا لم يكن مضطرا إليه. وهم يبدو أن قبوله كان محدودا مقصورا على الضرورات الكبرى. أن النفور من الدخيل والمعرب قد تغير كثيرا في العصر الحديث. وبدأت لفظة التعريب تتسع إنفتاح العرب على التمدن الغربي. ووقع الجدال بين أنصار التعريب و مانعيه. لكن الحاجة اللغوية حسمت الجدل وأقرت التعريب وأجازت لمجمع اللغة العربية بالقاهرة بإصدار قرارٍ بإجازة استعمال بعض الألفاظ الأعجمية عند الضرورة على طريقة العرب في تعريبهم.
وقد قسم الدكتور سمر روحي الفيصال الى طورين مهمين:
·        الطور اللغوي
·        الطور القومي
الطور اللغوي فقد قاد إليه التفجر المعرفي في العالم في النصف الثاني من القرن العشرين. والمراد بهذا التطور اللغوي هو إستعمال اللغة العربية في مختلف فروع المعرفة كلاما وكتابة، دراسة وتدريسا، بحثا وترجمة وتأليفا. وأما الدافع هذا الطور اللغوي هو شعور الأمة العربية بالخطر المحدق باللغة العربية الفصيحة إذا إستمر تدقق المصطلحات الأجنبية إلى الحياة العربية وبقيت الجامعات والمعاهد العليا تدرس العلوم باللغة الأجنبية.
أما الطور القومي هو التطور الأخير لدلالة التعريب. والمراد بهذا الطور القومي جعل اللغة العربية أداة التفكير والكتابة والإستعمال في الحياة الإجتماعية والإقتصادية والعلمية والأدبية والتربوية العربية بغية التخلص من التبعية ومخلفات الإستعمار.
أما العلاقة بين الترجمة والتعريب فقد إختلف الباحثون في تحديدها. فقيل إن الترجمة مرحلة أولى لابد منها في الوطن العربي وهي مقدمة التعريب. وقيل إن التعريب هو هدف وإن الترجمة وسيلة من وسائله.
ثالثاً:    
 أعتقد بأنّ هناك ثلاث اشكالات. وهذا الإشكال كله ابرز التي طرحت في اثناء الشكّ في قدرة اللغة العربيّة علي مواكبة العصر الحديث، يعني ما يلي :                                                                                                             
١. الإشكال المعرفّي
العلم يعني المعرفة. وحين يقال أنّ العصر الحديث عصر الثّورة العلميّة فإنّ ذلك أنّه عصر التّفجّر المعرفىّ. ففى كلّ يوم نظريات ومصطلحات وتقنيات جديدة تغزو العالم وتسعى على سيطرة عليه. وليس أمام الأمم المتخلّفة غير الإختيار بين التبعيّة المطلقة أو التنميّة. أمّا الأولى التسليم بتفوق الغرب والانضواء تحت راياته والإذعان لرغاباته فى السياسة والإقتصاد. الثاني التخلص وسلوكاته، وإنشاء المؤسّسات الحديثة ومراكز البحثي العلمي، وإعادة تربية الإنسان، والخلق المناخ الاجتماعي السياسي المواتي للإبداع، والإعتماد على الموارد المحليّة والامكانات الذاتية، والتعاون بين الأقطار الصغيرة و السعي الي وحدتها جزئيّا أو كلّيا. والثّابت أنّ الأمّة العربيّة إختارات التّنميّة ورفضت التّبعيّة المطلقة.
 نبع الإشكال المعرفيى إذ إنّ الخلط بين الحضارة والتّمدّن أثرا فى الإتجاه التّنميّة إلى علوم العصر ومصطلحاته وتقنيّاته وأبعدها عن بناء الإنسان العربى الجديد إستنادا إلى قيم حضاراته العربيّة الإسلاميّة وخبراتها ومعارفها. ومن هذا الإشكال يؤدّي إلى الفهم الأحادي للتنميّة. وهناك فريقين. الفريق الأول، الذى يعادي التّرجمة والتّعريب مؤمن بأنّ التقدّم العلمى يجب أن يتحقّق باللغات الأجنبيّة، ويضمر هذا الفريق الشكّ بقدرة اللّغة العربيّة على النّهوض بهذا الأعباء الجسام. أمّا الفريق الثاني، الذي ناصر حركة الترجمة والتعريب مؤمن على أداء اللغة العربية بهذه المهمّة. بيد أنّ الفريق الأول يعوم على سطح الإشكال تبعا لتبنّيه اللغات الأجنبيّة ورضاه بالتّبعيّة، فى حين الفريق الثّانى المناصر للتّرجمة والتعريب فيه. ومن ثمّ يبدو الإشكال المعرفى أكثر وضوحا لديه، ذلك أنّه إطمأنّ إلى أنّ الإبداع العلمى لايتحقّق إلا باللغة القومية. فإذا تحقّق ذلك أصبحت قضية الإبداع العلمى يسيرة.
وقد إعتمد الباحثون الترجمة والتعريب وسيلتان لنقل المعارف من اللغات الأجنبيّة إلى اللّغة العربيّة. وعلى الرغم من أنّ التّعريب لم يحتلّ المرتبة الأولى بين هذه القاعدة. ولعلّ قبوله من الزاوية اللغويّة عائدا إلى أنّ اللفظية المنقولة تلبس بوساطته الثوب العلمى وتضاف إلى الثّورة اللغويّة العربيّة. أما الترجمة الحرفية للفظ الأجنبى فقد عارضها كثير من الباحثين واللغويين، لأنها نقل اللفظ الأجنبي بحروف عربيّة بتعديل بسيىط أو دون تعديل، لكنّهم سرعان ما قبلوها و فتحوا صدورهم لها وعدّوها إغناء اللغة العربيّة الفصيحة وإن لم يتوسّعوا فيها.
و قد ميّزوا الباحثون بين الترجمة النصوص وتعريبها, فالتزموا الأمانة العلميّة والدقّة والوضوح ومراعاة بناء الجملة العربيّة فى التّرجمة، وفهموا النّصوص وتمثّلوها ثمّ عبّروا عنها بأسلوب عربيّ فى التّعريب.                                                                                                                  
٢. الإشكال التّارخي                                                                                                                                  
خاضت الأمّة العربيّة في العصر الوسيط تجربة الإتّصال بالثّقافات السائدة بواسطة التّرجمة والتعريب، وتكلّلّت تجريبتها بالنجاح في النّقل الثقافات اليونانيّة والرومنية والفارسيّة والسّريانيّة والهنديّة وغيرها الي اللغة العربيّة. وكان النتيجة التي لم يشك فيها إلا الغلاة المتعصّبون هي أنّ الحضارة العربيّة الإسلاميّة التي ازدهرت آنذاك طوّرت ما نقلته من الثّقافات الأجنبيّة وأضافت إليها معارف إنسانيّة وعلميّة نظريّة وتطبيقيّة كثيرة.                                                                                                        
المؤمنون يعتزّون بتجربة العرب في الإتّصال بالثّقافات الأخري بواسطة حركة التّرجمة والتّعريب، ولا تعوزهم الحجة على إمكانيّة الإفادة منها فى النهضة المعاصرة عموما، وفى حقل الترجمة خصوصا. وانتجوا من ذالك آلاف التّسميّات والمصطلحات وعشرات المعجمات، كما ترجّموا البحوث والدّراسات والكتب، وحقّقوا جانبا من التّراث العلمي العربي ودرسوا تاريخه وأعلامه. وهذا الإعتزاز نابع على الإ شكال التّارخى.
كان الإشكال التّارخي نابع من أنّ التّجربة التّارخيّةلم تدرس جيّدا، وأنّ الإعتزاز بها حجب عن الأمة العربية فرص الإفادة منها. إذ أنّ نجاح حركة الترجمة والتعريب ليس مقصورا على نجاح فى الإتّصال بالثّقافة الأخرى، بل إنّما هناك عوامل آخر يؤدّى إلى نجاح حركة التّرجمة والتّعريب فى عصر الوسيط. يعنى ما يلى:                                                                                                                                                        
·        انّ الدّولة العربيّة الإسلاميّة كانت فتيّة تملؤها الحماسة وتدبّ بين أعطافها القوّة، في حين كان الضعف مستشريا في الأمم الأجنبيّة.
·        اهتمام الخلفاء و الأمراء بحركة التّرجمة والتّعريب واحترامهم العلم والعلماء
·        وحدة العالم الإسلامي
ولكن قال د. سمر روحي علي أنّ نجاح حركة الترجمة والتعريب في العصر الوسيط ترجع الي العوامل الموضوعيّة, يعني :                               
·        حريّة الرّأي
·        سيادة الروح العلميّة المنهجيّة
·        السّموّ الأخلاقي
قال د.سمر روحى على أنّ نجاح التّرجمة والتّعريب في العصر الحديث تفتقر إلى القرار السّياسى فى شئونها كلّها، وخصوصا توحيد المصطلحات و تعريب التعليم الجامعي.                                     
٣. الإشكال اللغوي :                                                                                                                  
نبع الإشكال الّلغوي بأمرين يخصّان اللّغة العربيّة الفصيحة فى العصر الحديث، هما عدم قدرتها على وضع تسميات ومصطلحات مناسبة للعلوم والتّقنيات الحديثة الوافدة من اللّغات الأجنبيّة، وعدم صلاحيتها لتدريس العلوم فى المعاهد العليا والجامعات. وإنّ حركة الترجمة والتّعريب حلّ لهذا الإشكال اللّغوي. وكان اقتصر د.سمر روحي على قضيّة وضع المصطلحات لاتّصالها بهذا الإشكال اتّصالا مباشرا.
 وهناك تعريفات كثيرة علي لفظ المصطلاح، لكن نكتفي بهذا التّعريف. المصطلاح لفظ أصطلح أو إتّفق على أدائه مفهوما محدّدا، لأنّ الذهن سينصرف إلى المفهوم المتّفق عليه تبعا لكون دقّة الدّلالة لا تأتى إلاّ بعد التّوضح والإصطلاح على المعنى. كما أنّ المصطلاح لا يبدو صعبا أو غريبا إذا شاع إستعماله وتداولته الألسنة.
وكان تفجّر المعرفّى فى العصر الحديث قاد إلى نشوء علم المصطلح. علم المصطلح هو علم يبحث فى العلاقة بين المفهومات العلميّة والمصطلحات اللغوية الّتي تعبّر عنها. وقد فرّق علم المصطلحات بين الكلمة اللّغويّة والمصطلح. الكلمة اللّغويّة هي رمز لغوي يعطي لمحتويّاته العديد من المعانى دون حدود واضحة، مع انتقال تدريجي أحيانأ من المعنى الى آخر. أما المصطلاح هو رمز لغويّ مخصّص لتصوّر محدّد أو لأكثر من تصوّر واحد أحيانا.
ولا شكّ فى أنّ الرغبة على مواكبة العصر هو الّتى دفعت الباحثين العرب والمجامع اللّغويّة والمؤسّسات الوطنيّة والقوميّة إلى وضع المصطلحات العلميّة، لأنّ المصطلح أداة البحث ولغة التّفاهم بين العلماء وجزء مهمّ من المنهج العلمى. بيد أنّ النمو العديد للمصطلحات الموضوعة ذو وجهين إيجابي وسلبي. أما الوجه الإيجابي هو الدّليل المادي على أنّ اللّغة العربيّة الفصيحة لا تعوزها القدرة على المصطلحات العلميّة. أمّا السّلبي هو فيتجلّي في تعدّد المصطلحات الموضوعة للمفهوم الواحد وتباينها بين الدول العربية، فضلا عن تعدّد مصادرها الثّقافيّة. وإعتقد د.سمر روحي على أنّ الإشكال اللّغوي يرجع الى هذا الوجه السّلبي، وهو وجه غير لغويّ وليست له علاقة بالقضيّة الفنّية الخاصة بصوغ المصطلحات العلميّة الحديثة.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                
رابعاً:
بعد فحص تلك الإشكالات الثلاثة أخلص الدكتور سمر روحي الفيصل إلى نتائج واقتراحات لغوية خاصة بحركة الترجمة والتعريب في العصر الحديث. فاتهام اللغة العربية بالعجز عن الوفاء بالحاجات العلمية العربية لا أساس له من الصحة. لأن اللغة العربية قادرة على وضع المصطلحات وترجمة الكتب وتعريب ما يجد في اللغات الأجنبية اعتمادا إلى خصائصها الذاتية من اشتقاق ومجاز ونحت وإبدال واقتراض وتضمين وقياس وقلب وترجمة وتعريب. ولا يعوق فيها الترجمة والتعريب ولكنّها عبرت عن مرونة ودقة واتساع في قبول المعرّب والمترجم سواء كان لفظا أم نصا. وأجازت للغويين والاختصاصيين في العلوم المختلفة في رحابها. فيكون بسيط لفهمهم علم الترجمة ومصطلح التعريب وانفتاحهم على العصر الحديث من خلاله.  
وفي هذه القضية ادّعى الدكتور سمر روحي إلي إغلقها من قضايا اللغة العربية، لأنها قضية مفتعلة. وأن الإطمئنان العلمي إلي قدرة اللغة العربية الفصيحة على نقل العلوم والتقنيات الحديثة يجعل الباحثين العرب على قدرة كبيرة من الثقة بلغتهم، مع أنهم يحتاجون إلى هذه الثقة ليتمكنوا من تجسيد المفهوم الحديث الواسع من مصطلح التعريب. ولا يعني الركون إلى الثقة  بالفصيحة وإهمال العمل اللغوي. لأن الثقة شيء ضروري جدّا، ولكن تضعف إذا لم يشاركها عمل لغوي.
وبعد فحص الإشكالات الثلاثة يمكن عدّ نواة (الاستراتيجية[3]) إلى أمور لغوية، وهذه أظهرها بالنسبة إلى حركة الترجمة والتعريب. وهي ما يلي:
١. اعتماد المفهوم الواسع للتعريب هدفا رئيسا، وعدّ الترجمة وسيلة من وسائل تحقيقه.
٢. اعتماد المجامع اللغوية العربية مرجعا وحيدا لإقرار المصطلحات العربية في العلوم والفنون والأدب والمكتب الدائم لتنسيق الالتعريب في الوطن العربي مسؤولا وحيدا عن توحيدها.
٣. دعم المركز العربي للترجمة التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وعده المرجع المسؤول عن إقرار خطط الترجمة وتنظيمها في العلوم والفنون والآدب كافة.
٤. لا يصلح ارتفاع مصطلح أو كتاب إلى اتحاد المجامع اللغوية العربية والمركز العربي للترجمة إذا لم يوافقه الاختصاصيون واللغويون.
٥. استعمال المصطلحات التي وجدها المؤلفون والمترجمون العرب في العصر الوسيط.
أن النقاط السابقة تعبر أن النهضة العربية لا تتحقق إلا بالوحدة. وبعد فحص تلك الإشكالات الثلاثة دلالات على أن هذا الأمر مستمدة من حركة الترجمة والتعريب. فالإشكال اللغوي دلّ على أن الأمة العربية تحتاج في العصر الحاضر إلى توحيد المصطلحات العلمية بين الدول العربية  منعا للخلل في لغة البحث العلمي. وقد قام المكتب الدائم لتنسيق التعريب بهذه المهمة.
والإشكال المعرفي دلّ على الحقيقة القومية نفسها. فهذا الإشكال أشار إلى أن حركة الترجمة والتعريب لا يدرك من الزاوية اللغوية الخاصة بقدرة اللغة العربية الفصيحة بل إنها أشار أيضا أن الأمة العربية لن تستطيع الستمرار فيما خلق اللغات الأجنبية. لإن الاستمرار يعني التبعية مع أن الأمة العربية لا يقبل التبعية وترغب في التنمية. 
وما زال الإشكال التاريخي عن الحقيقة القومية نفسها، فدلّ على أن نجاح حركة الترجمة والتعريب في العصر الوسيط لا يرجع إلى قدرة اللغة العربية وحدها، بل يرجع إلى أسباب خارجية وعوامل موضوعية لا تخرج عن قوة الدولة العربية الإسلامية الواحدة. تلك هي النتائج الناقصة، وترجى تطبيقها في التعليم العالي والجامعي.
الخلاصة
          أن اللغة العربية لها قضايا كثيرة، منها قضية الترجمة والتعريب وإشكالات المعاصرة. وبعد فحص تلك الإشكالات تحصل منها نتائج واقتراحات بحركة الترجمة والتعريب. ولكن تلك النتائج ناقصة، تحتاج إلى تطبيقها في التعليم العالى والجامعي.


[1] اعلام التعليم فى السودان و اوّل جاصل على شهادة الدكتور فى السودان وأوّل من عير النظم التعليمى الموروث من لإنجليز،ولد في دلقون الحس(قرية اقتري)عام 1919 م،رأس تحريرى عدة صحف سودانية خلال 1965 م-1959 م،لديه عشرات المؤلفات والبحوث المنشور. 
 
 [2] ولد عام 1930( توفى في 7 ديسمبر 2007 عن 77 عام)، إعلامي أردني من أصول فلسطينية،اشتهر ببرامج المسابقات الإذاعية والتلفزيونية. كما قدم العديد من الندوات الحوارية باللغتين العربية والإنجليزية. عمل في الإذاعة،له عدة مؤلفات وكتب بالعربية والإنجليزية، وعدد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية من إعداده وتقديمه؛ منها "فكر واربح" الذي عرض في السعودية والأردن ومصر والإمارات، والندوة التلفزيونية "حوار"، والندوة التلفزيونية "FORUM" باللغة الإنجليزية، وبرنامج المسابقات التلفزيوني "بنك المعلومات".
[3]  Strategy
 

قدرة اللّغة العربيّة على استيعاب العلم و تأصيله فى العصر الحديث


بقلم : رفاعة المحمودة و حلية عبد الرّحمن و في الله أتّقى

المقدّمة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته

    انّ الحمد للّه , نحمده و نستعينه ونستهديه من شرور انفسنا ومن سيّئات أعمالنا من يهده اللّه فلا مضلّ له , و من يضلل فلا هادي له ,  أشهد ان لا اله إلاّ اللّه و أشهد انّ محمّدا عبده و رسوله صلوات اللّه و سلامه عليه الّذى جاء بنور الإسلام يحمل لواء الخيرات ليهدي النّاس من الظلمات إلى النّور .

   و لا ننسى ان نشكر اللّه الّذى قد أعطانا هذه الفرصة الغاليّة لنحتفل فى هذا المكان المبارك و فى هذا اليوم السّعيد و نشكر لكم أيتها الزّملاء من اشتراككم فى هذه المناسبة البديعة و سنناقش من كتاب قضايا اللّغة العربيّة    فى العصر الحديث لفضيلة الدّكتور سمير روحى الفيصل من القضيّة الثّالثّة من كتابه و هي " قضيّة اللّغة العربيّة على استيعاب العلم و تأصيله " و نعتذر من كل الأخطاء .

البحث

    لغات الشّعوب هي مرأة حياتها و ترجمان مشاعرها و خصائصها و إبداعها و وعاء ثقافتها و حضراتها و هي وسيلة التّعايش و السّبيل إلى التّقدّم ولا ثقافة أصليّة دون لسان يعبّر عنها و الفكر الأصيل لا يخلق فى الأمّة إلاّ إذا كانت لغة تعلّمها هي لغتها الأمّ. وفى هذه الفرصة الغاليّة سنتحدّث عن اتّساع اللّغة العربيّة فى بقاع العالم لأنّه كما يقال فى أحد شعار المعهد " باللّغة العربيّة و الإنجلزيّة نستطيع أن نستولى الدّنيا " و كانت اللّغة العربيّة هي لغة القران و القرن هو كلام اللّه إلى رسوله محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بوسيلة جبريل عليه السّلام و من القران نجد العلوم الكثيرة. و القرن باللّغة العربيّة و كيف نعلم استيعاب هذه اللّغة إلى العلوم المتوافرة فى بقاع العالم و سنبحث فى هذه القضيّة و هي  قدرة اللّغة العربيّة على استيعاب العلم و تأصيلها فى بقاع العالم .

أوّلا- قدرة اللّغة العربيّة على استيعاب العلم :

هناك عدّة طرق لقياس قدرة اللّغة العربيّة على استيعاب العلم الحديث و سنبيّن لكم بعض  الطّرق منها , الطّريقة الأولى هي مجموع التّصوّرات أي رموز لغويّة تدلّ على مفهومات محدّدة تجمعها فى كلّ حقل علميّ منظومة واحدة و نحن فى العادة نسمّى التّصوّر اصطلاحا , انطلاقا من أن هذا التّصوّر ( المفهوم ) هو المعنى و أنّ المصطلح هو الشّكل. و الطّريقة الثّانيّة العلم نوعان قديم و حديث بينهما اشتراك و تباين. و تجربة العرب فى مواجهة هذين النّوغين واضحة , لا بدّ من الإشارة إليها إذا رغبنا فى قياس قدرة اللّغة العربيّة على استيعاب العلم .
أ . قضيّة المصطلحات العلميّة العربيّة
   إنّ هذه المصطلحات تمرّ بثلات مراحل مهمّة : مرحلة وضع المصطلحات , مرحلة توحيدها, و مرحلة تعميمها و استعمالها. و المرحلة الأولى أكثر هذه المراحل خطرا و ارتباطاباللغة , فى حين تعدّ المرحلة الثّالثة هدفا رئيسا من أهداف المجتمع الرّاغب فى استيعاب العلم.

   نبغت غزارة المصطلحات العلميّة فى الوطن العربي من تعدّد الجهود الّتى نهضت بهذا العبء القومي . و من ثمّ ظهرت هذه المصطلحات عدّة لمفهوم علميّ واحد , و أخرى لكلّ منها عدد من المفهومات . و كان ذلك كافيا للدّعوة إلى توحيد المصطلحات العلميّة فى الوطن العربيّ و خيّل الدّكتور سمر روحى أنّ قضيّة توحيد المصطلحات ذات شقّين : شقّ لغويّ و شقّ سياسيّ .

    الشّكوى من أنّ المصطلحات العلميّة الموحّدة لا تستعمل فى الدّول العربيّة كثيرة جدّا , يصاحبها فى العادة نوع من اليأس و شيئ من التّذمّر من الأمزجة الفرديّة للعلماء فى الدّول العربيّة و خلّص المؤلّف من قضيّة المصطلحات العلميّة إلى يقين لا تشويب شائبة هو , أنّ اللّغة العربيّة قادرة على وضع المصطلحات و توحيدها بين أقطار العربيّة .

ب . قضيّة اللّغة العلميّة العربيّة

     للّغة العلميّة العربيّة وجهان : إيجابيّ و سلبيّ , و كلّ منهما لغويّ و المراد من الإيجابيّ تجربة تدريس العلوم و نشر البحوث و الكتب العلميّة باللّغة العلميّة باللّغة العربيّة و المقصود بالسلبيّ تدريس العلوم بإحدى اللّغات الأجنبيّة كما إعتقد المؤلّف أنّ التّدريس و التأليف يساعدان على تكوين اللّغة العربيّة العلميّة , و إن كانت لهذه اللّغة أمور أخرى لن يكون لها نصيب فى حديثى لارتباطها بمنهجية البحث العلميّ و ابتعادها النّسبى عن العلاقة المباشرة باللّغة العربيّة

ج . قضيّة التّجربة التاريخيّة

   واجه العرب بعد خروجهم من الجزيرة العربية ( علوم اليونان ومعارف الفرس و تراث الهند ) لكنهم

استوعبوا هذه اللأمم بوساطة الترجمة والتعريب, فوضعوا المصطلحات العلمية وأسّسوا لغة علمية عربية وراحوا يبدعون بوساطتها ويؤسّسون حضارتهم العربيّة الإسلاميّة . و اللافت للنظر أنّ العرب طوال القرن العشرين أكثروا من مديح هذه التّجربة التّاريخيّة و عدوّها دليلا على قدرة اللّغة العربيّة على استيعاب العلوم . و ما كان هؤلاء العرب مخطئين فى مديحهم , لأنّ عددا وافرا من المصطلحات العلميّة الّتى وضعت أجدادنا مازال صالحا شائعا بيننا .
ثانيّا : قدرة اللّغة العربيّة على تأصيل العلم الحديث

   أصّل الشيئ وأثّله بمعنى واحد هو أن نجعل للشّيء أصلا ثابتا يبنى عليه . و تأصيل العلم الحديث بهذا المعنى اللّغوى الصّرف يعنى ترسيخ البنيان العلمي القادر على النّهوض بالعلم  فى المجتمع العربي و الإبداع فيه بغية الإسهام فى الحضارة العالميّة .
أ . التّشبُث باللّغة الأجنبيّة

   يبدو التشبث باللّغات الأجنبيّة واضحا فى إصرار الدّول العربيّة على تدريس العلوم بإحدى اللّغتين الانكليزية أو الفرنسيّة . و القائلون بذلك يستندون إلى المسوّغات الأتية :

أ . الدّول الأجنبيّة مصدر العلم الحديث فى جانبيه النّظرى و التّطبيقى, و النّهل من المصدر أفضل من صرف الجهد و الوقت فى وضع المصطلحات العلميّة باللّغة العربيّة و توحيدها, فالصّراع من أجل استعمالها

ب . العلم لا وطن له , مصطلحاته عالميّة, و لغاته سائدة شائعة معروفة.

ج . اللّغة العلميّة العربيّة ضعيفة جدّا, لم تبلغ المستوى الّذى يشجّع على الإبداع العلميّ كما أنّها تفتقر إلى المصادر و المراجع العلميّة الّتى تعيّن على البحث العلميّ, و تغوى المدرّسين باستعمال اللّغة العربيّة فى تدريس العلوم .

ب . ضعف الأمّة العربيّة
   الأمّة العربيّة مجزأة , و هذه التّجزاة سبب من أسباب ضعفها السّياسي و الاقتصادي و اللّغويّ .
ج . مناخ القهر
   إنّ العلم لا ينمو فى مناخ القهرلأنّ حياته مرتبطة بحريّة البحث و التّعبير . و العالم الّذى يلهث وراء حياته المعيشة لن يبدع الجديد المفيد . على أنّ المعادلة , من جانب اخر تبدو صعبة , لأنّ العمل العلمي مكلّف مادّيا , لا تستطيع الإمكاناتها الفرديّة النّهوض بأعبائها , و من ثمّ كانت هناك حاجة إلى تدخّل الدّولة بإمكانها الكبيرة فيه .

   إنّ العوامل الثّلاثة السّابقة : التشبث باللّغة الأجنبيّة , وضعف الأمّة العربيّة و مناخ القهر سببّت خللا فى استيعاب العلم الحديث و قد أثّر هذا العلم فى تأصيل العلم تأثيرا سلبيّا , فأضغفه و أبعده عن اهدافه . و هي خلل سياسي و ليس لغويّا , لأنّ ما قدّمته يدلّ دلالة ناصعة على قدرة اللّغة العربيّة على استيعاب العلم و تأصيله . و يمكن الخلاصة على أنّ التشكيك فى قدرة اللّغة العربيّة لا يستند إلى اساس لغويّ , و من الواجب إهمال الحديث عنه لأنّه وهم و أشبه بالوهم , و توجيه الجهد نحو الخلل السّياسي الّذى يوهّن الجهود اللّغويّة فى الحقل العلميّ العربيّ  , و يقودها بعيدا عن التأثير في مستوى العلمي للمجتمع العربي .
الخلاصة
تعلم بأن اللغة العربية لها دور كبير في استيعاب العلم، ليست إلاّمن جهة العلوم الشرعية كعلم العقيدة و الأخلاق والتصوف و الفقه و أصوله ولكنّها تشتمل أيضاً على علم الحديث في علم الطيب من كنز اللغة مصطلحات شتى.
المراجع
- د. سمر روحي الفيصل : قضايا اللغوية في العصر الحديث، نادي تراث الإمارات، مركز زايد للتراث، 2007. 

قضيّة التّحدِّيّات المعادية في اللّغة العربيّة

بقلمي : حُسني ذهبي و رائــــــــــــــــــد أُممي
 
المقدّمة
       
الحمدلله ربّ العالمين وبه نستعين على أمور الدّنيا والدّين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد. اللّهمّ نسألك خيرَ نعمتِك و سعةَ رزقِك. يُسعِدنا لقاءُنا بكم في هذه الحلقة المباركة، فهذا اللقاء ليس إلّا لتقديم المقالة العلميّة، بل إنّما هو بحث عميق و منا قشة مشوِّقة و حوار ذو قِيمة لا تصوَّر بالكلام البَشَريّ. فبحثنا اليوم نتحدّث فيه عن قضيّة التّحدّيّات المعادية التى طبعاً تدور حول اللّغة العربيّة. وفي هذه القضيّة تنازعت العلماء و اختلفت الكبُراء و تخاصمت المحدثون. وليس من شيءٍ محرَّمٍ أن نكون مشتركاً في صفوفهم للمناقشة والاستفادة و أخذ الخبرة والاعتبار بحسن النظر والرأى.  فاللّغة تنمو وترتقي و التّحدّيّاتُ تزداد وتَفيض كالجيوش المواجِهة أعداءَهم.
       و جزيل الشكر نقوله لكم على المتابعات والإعانات في إيجاد هذه المناقشة و البحوث التى تُعقَد في الأيّام الماضيّة، فما نحن إلّا في جماعتكم وما نحن إلّا في سبيلكم وما نحن إلّا في محبّتكم. والشكر المتوفِّر لشيوخنا في هذه الحلقة، و هم الثلاثة السابقة، الأستاذ إزديان متّقين و الأستاذ أحمد فواتح نور رزقى والأستاذ إمام توفيق، الذين هم في الأعمال راشدون و في التدبير موثَّقون و للعلوم متقِنون و هم المجتهدون لتقدّم مركز التفاهم و تقدّمنا خصوصاً، سنكون مثلَهم بعد، إنشاء الله.
              و حان وقت البحث في قضيّة التحدّيّات في اللّغة العربيّة، التى تهجُمها وتُغرِيها من جيل بعد جيل، و تنتقل سيولَ المياه من أرض إلى أرض أخرى، فتُنبِت النباتاتِ لا تُرجَى نموُّها و انتشارُها. و نطلب العفوَ من زملاءنا القُرّاء من جميع الأخطاء و الكبرياء و من كلّ الحوار الرَّدِيء أو الكلام السيِّء.


   البحث
      علِمنا أنّ اللّغة العربيّة هى لغة صعبة، أى أنّها يصعب على الأجنبيّ والعربيّ تعلّمُها، ولهذا السّبب هجرها العرب و راحوا يستعملون العامّيّة في حياتهم اليوميّة. ولو كانت سهلةً مَرِنةً كما هي حال اللّغات الأجنبيّة لَاعتمدها العرب في تفكيرهم و استعمالهم و كتابتهم. لكنّها لغة صعبة مقصورة على بعض الواجبات الدّينيّة، و من المفيد التّخلِّي عنها، واعتماد العامّيّة المصريّة لأنّها سهلةٌ منتشرة في الوطن العربيّ.
        لا شكّ في أنّ (الصّعوبة) هي التّحدّى المعادى الذى استمرّ حيّاً إلى الوقت الحاضر. وأمّا الدّعوة إلى العامّيّة و هِجر الفصيحة واستبدال الحروف اللّاتنيّة بالحروف العربيّة واعتماد اللّغات الأجنبيّة في التّعليم الجامعيّ إلّا التحدّيات الفرعيّة تدور في تلك الصّعوبة و تمتح منها، فتقسيمها كما يلى :
     1. التّحدّى الأساسيّ :  - صعوبة الفصيحة 
     2. التّحدّيات الفرعيّة :  - الدّعوة إلى العامّيّة
                               - تيسير الكتابة العربيّة
                               - تيسير النّحو
                               - التّعليم باللّغات الأجنبيّة

 أولاً : صعوبة الفصيحة
     
احتجّ العرب في ذلك تعقُّد بُنية الفصيحة، وتعدّد قوانينها، واتّساع مَتْنها، و دليلهم على هذه الصّعوبة ندارة مُتْقنيها من العرب، ولجوء أبنائها إلى العامّيّة لما وجدوا منها من مرونة وسهولة وقدرة على التّعبير عن أفكارهم بِأيسَر السُّبل اللّغويّة. ولذلك كانت نسبةُ الأُمِّيّة كبيرةً في المجتمع العربيّ في حين تتحلّى العامّيّة بهذه الصّفات ولكنّها منطوقةٌ غير مكتوبةٍ. قال ويليام ولكوكس[1]: (أنتم أيّها المصريّون، لن تزالوا قادرين على إيجاد قوّة الاختراع لديكم كما فعل الانجلترا، فإنّه يوجد فيكم أناس كثيرون توفّرت فيهم الشّروط المارّة. ولكنْ بسبب عدم وجود لسان علميّ مشهور بينكم، لم تتخلّصوا على شيء و أضعتم أعمالكم شتّى. و السّبب في ذلك أنّ الكتب الدُنيويّة يؤلِّفها أربابُها بكلام مثل الجبال، وفي آخر الأمر لا يَلِد هذا الكلامُ الصعبُ إلّا فأراً صغيراً. اللغة العربيّة الأصليّة كانت قويّةً جدّاً، مشحونةً بالألفاظ الشهيرة، و على مرور الزّمان غلبت القويّةُ الضّعيفةَ، وكوّنت لغةً قويّةً حيّةً). فرَدّ أبو حديد قولَه : (إنّ العامّيّة ليست بمجرّد مسخ أو تشوِيه للعربيّة، بل هي لغة قائمة بذاتها، لها قواعدُها و أصولُها)[2]، فالفصيحة في رأيه جامدة والعامّيّة متطوِّرة. تلك أيضاً حال أحمد أمين[3]، فقد اتّهم الفصيحةَ بالجمود وعلماءَها بالتّزمّت والتّعصّب لإقفالهم بابَ الاجتهاد، لكنّه لم يدعُ إلى العامّيّة بل دعا إلى فتح باب الاجتهاد على مِصراعَيْه صوناً لِلّغة الفصيحة من الجمود و حِرصاً على رُقيّها في عصر الحديث.
       إنّ اللّغةَ أيّةُ لغة، صعبةٌ يَحتاج إتقانُها إلى معارف واسعة، و تدريبات مُتسلسِلة، و مهارات لغويّة  كالحديث و القراءة و الكتابة. و تتباين اللّغات البشريّة في الصّعوبة تبعاً لقِدمها و حَداثتها، فاللّغات العريقة كالعربيّة أكثر صعوبةً من اللّغات الحديثة كالانكليزيّة و الفرنسيّة. لكنّ ذلك لا يعني اللغات الحديثة سهلة، ولو كانت كذلك لما شكا أهلُها منها.
       و تزداد هذه التّحدّيات في عصرنا العَولمة، فإنّ الصعوباتِ لا تُعَدّ ولا تُحصَى، لأنّ العولمة تُحاصِر الأممم والدُّول والشّعوب من كلّ جانب وناحية. ولا يكاد يخرج عن هذا الحصار دولةٌ من الدول أو أمّة من الأمم. فليست العولمة شرّاً يُتَّقى أو خطراً يُدفَع, وإنّما هي ظاهرة تكاد تكون كونيّةً، لها السّلبيّات و الإيجابيّات. فسهولة نشرِ الكتابات الشخصيّة و وصولِها لدى المجتمع بين أيديهم من الشبكات والوسائل الإلكترونيّة أو الإعلاميّة, تضيّق البيئة الحسنة التى أسّسها القدماء منذ قرون طويلة.
 
التحدّيات الفرعيّة
الاتّجاه المعادي للغة العربيّة طرخ أربعة تحديات فرعيّة.
1.    الدعوة إلى العامّيّة
الدعوة إلى العامّيّة قضيّة زائفة محتوى, لم يكن في حاجّة إلى الضجيج الذي ملأ أسماع الوطن العربي طوال قرن و نيِّف, و ما زال شببحه بجثم على صدور اللغويّين العرب و محبّي الفصيحة والناطقين بها. إذ أنّها تدعو إلى استعمال العامّيّة انطلاقامن أنّها لغة مستقلّة عن الفصيحة, في حين أنّها مستوي التعبيري من مستوي الفصيحة و ظاهرة طبيعيّة فيها. وسبق القول في القضيّة الأولى, إنّه يمكن الاطمئنان إلى أنّ العامّيّات التي نستعملها الآن في الوطن العربي, ما هي إلا حصيلة التفاعل اللغوي بين اللهجات العربية الوافدة من الجزيرة العربية صحبة الفاتحين ولغات سكان البلاد الأصليين, و نتيجة التطوّر الذي حدث علي هذا التفاعل عبر القرون.
إن هذه الدعوة زائفة المحتوي, لأنها تدعوا إلى استعمال ما هو مستعمل في البلاد العربية. و أن أنصار الفصيحة المتنوّرين لم يحاربوا الدعوة  إلى العامّيّة لمخالفتهم محتواها أو جهلهم زيفها, بل حاربوها لما تخبئه من أهداف معادية للأمة العربية.
     و يمكن الاختزال[4] هذه الأهداف في النقاط التالية :
أ‌-       نقل العامية من اللهجة المنطوقة في الحياة اليومية إلى اللغة المكتوبة المستعملة في التأليف والبحث. أي جعل العامية لغة أدبية بدلا من الفصيحة.
ب‌-  فصل العرب عن تراثهم ودينهم
ت‌- نشر اللغة الأجنبية واعتمادها لغة التعليم بُغية[5] السيطرة علي العرب و جعلهم تابعين للاستعمار تبعيّة مطلقة.
 
خلاصة القول, أن الدعوة إلى العامية زائفة المحتوي, معادية الأهداف, لكن الاستعمار نجح في غرسها في الأرض العربية¸وجنّد لها من الأجانب. وتمَكّن العامية بوساطة ذلك من جعلها الشغل الشاغل للأمة العربية طوال قرن ونيف, وطرحها[6] بديلا من الفصيحة الصعبة المعقدة.
إذا كانت تلك الدعوة إلي العامية فإن التخلّص منها منوط با العمل التربوي علي إنجاز ثلاث مهمّات : أوّلها إعادة الثقة بالفصيحة, وثانيها ترسيخ المفهوم العملي لعلاقة الفصيحة بالعامية بغية التحرّر من الأوهام اللغوية والنفسية, و ثالثها إقصاء اللغة الأجنبية عن التعليم الجامعي و إحلال الفصيحة محلّها. و هذه المهمات الثلاث تعبير عن حاجة اللغة العربية الفصيحة إلى الحياة في العصر الحديث.
2.    تيسير الكتابة العربية
الدعوة إلى تيسير الكتابة العربية ذات وجهين : سلبي و إجابي. الوجه السلبي هو إمتداد للتحدي المعادي الخاص بالدعوة إلى العامية.ولكنه لم يشكّل تحديا حقيقيا وإن شغل العرب وقتا قليلا. وهو استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية. و تزيين لهذا العمل و إغراء[7] به و تجسيد له بكتابة بعض النصوص العامية المصرية بالحروف اللاتينية.      و أما الوجه الإيجابي لقضية تيسير الكتابة فهو التحدي الحقيقي. ذلك أن الكتابة العربية لاتخلو من الصعوبات والمشكلات التي تعوق التعليم والتعلّم.
3.    تيسير النحو
لازمت الدعوة إلي تيسير النحو التحدي المعادي النابع من الادّعاء بصعوبة اللغة العربية نحوا وصرفا وبيانا و كتابة, ابتداء من آخريات القرن التاسع عشر. و كادت هذه الدعوة تقتصر على تعقد النحو وتشعّبه و كثرة مصطلحاته وصعوبة التقيد بالإعراب الذي يفرضه على المتكلم.  و قد نص أتباع هذه الدعوة على أن العرب يحسنون صنعا إذا تخلّوا عن النحو وانصرفوا إلى تعليم الأجيال المتعاقبة اللغات الأجنبية.
أما الاتجاه المعادي القائل بصعوبة النحو, فقد جعل اللإعراب غاية النحو. ودعا إلى التخلّى عنه لعجز الإنسان العربي عن التقيّد به فى كلامه, وألحّ[8] على تسكين أواخر الكلم تشبّها بالعامية و مجاراة لها, و حاول الإيحاء بأن أصول الأولي للفصيحة لم تكن معربة, وأن الإعراب طرأ عليها في عصور لاحقة. يمكن القول إن المراد من صعوبة النحو في مفهوم أتباع الاتجاه المعادي, هو كثرة القواعد و تشعبها و سيطرة العلل الفقهية والمنطقية عليها.
أخلص, أن الاتجاه المعادي طرح قضية تيسير النحو طرحا غائما. و كان أتباع هذه الاتجاه علي حق في الإطار العام لهذه الشكوى, لكنهم أخطؤوا الصواب حين شرعوا يطرحون نتيجة ليس لها نصيب من الدقة العلمية. فا لصعوبة في مفهومهم, تفرّض التخلّي عن الحركة في أواخر الكلم واستعمال السكون بدلا منها تبعا لعجز المتكلم عن التقيد بها. و هه النتيجة تنمّ علي جهل بالفرق بين المعارف النحوية ومهارة استعمالها في الحديث, و عن إخفاق في تحديد مهمة الحركة في أواخر الكلم و علاقة المتكلم أو العامل بالدلالة بواسطتها علي المعني في الجملة.
4.    التعليم باللغات الأجنبية
التعليم باللغات الأجنبية أكثر التحدّيات المعادية وضوحا و خطرا. و يكاد هذا التعليم يقتصر في وقت الحاضر على العلوم التطبيقية في الجامعات و المعاهد العليا بعد أن كان عاما شاملا مراحل التعليم كلها. وعلي الرغم  من أن المستعمر لم يكن واحدا في الأقطار العربية فإن الهدف الذي أعلنه واحد, هو العمل علي تربية النخب تابعة له, يرسّخ بوساطتها تبعية الأقطار العربية له في أثناء استعماره وبعد  رحيله عن الوطن العربي.
 
 
 
 
  الاستنباط
  
             حماية اللّغة و صيانتُها من الفسد و الانقراض من واجبتنا، فامتلاك القدرات الذّاتيّة، على مستوى الأفراد والجماعات، و على مستوى الحكومات و الهيئات الأهليّة، و التوفّر على الوعي الحضاريّ الرشيد الّذى هو بمثابة البوصالة الّتى تقودنا إلى النّجاح في القيام بهذه المهمّة. فهذه كلُّها زادنا لمواجهة التّحدّيات اللّغويّة في عصرنا. أفلا تفرحون أن تعيشوا تحت ظلال الحضارة الإسلاميّة و الجمال اللّغويّة و بشاشة ناطقيها؟ . لو لانا من سوانا، ولو لا اللآن فمتى؟ . فالضّياء المنير يلمع من ألسِنة البلغاء، و الريح الطيّبة تهُبّ من كلمات الفصحاء.

المراجع
- د. سمر روحي الفيصل : قضايا اللغوية في العصر الحديث، نادي تراث الإمارات، مركز زايد للتراث، 2007.  
 - مجلة مجمع اللغة العربية.
.
http://www.almoslim.net/node/- 82775

 
 
 
 
 
 


[1] - مهندس بناء بريطاني, (1852-1932) عمل في مصر و العراق و تركيا, ترجم الإنجيل للهجة المصرية, و كان من أوّل الدعاة لتبنيها بدلا من العربية الفصحى في مصر كلغة للكتابة والقراءة.
[1]محمد فريد أبو حديد : (موقف اللغة العربية العامية من اللغة العربية الفصحى), مجلة مجمع اللغة العربية ,ج8, القاهرة,1953-
     
- تحديات : مصدر تحدى الشيءَ : طلب منه مباراته في أمر                                             - مرنة : لينة
- الأمية : مصدر صناعى من الأمي، وهو من لا بقرأ ولا يكتب، معناه الغفلة و الجهالة               - تعقّد(الكلام) : خفاء معناه               
- تتحلى : تتزين                                                                                              - تمتح : تمتد
- تخلى عن : ترك                                                                                            - لجوء إلى : استناد إليه و اعتضاد به
 
 [3] أحمد أمين : (إقتراح ببعض الإصلاح في متن اللغة) مجلة مجمع اللغة العربية, ج6, القاهرة 1951-

- تتخلصوا : تسلموا                         - مصراع (الباب) : أحد جزئيته
- مشحونة : مملوءة                         - العريقة : من العرق، وهو أصل كل شيء
- تشويه : تقبيح                              - العولمة :  
- التزمت : التشدّد
[4]  اختصار
 الإرادة[5]
[6]  بعُد
 [7] إفساد
 [8] أجبر